عن خصوصية الرواية المغاربية

25 يوليو 2018
("القصر والشمس"، من مجموعة بول كلي في تونس)
+ الخط -

هل هناك خصوصية للرواية المغاربية؟ كثيراً ما يُطرح عليَّ هذا السؤال، ليس تشكيكاً في قيمتها، فهي أثبتت، في العقود الثلاثة الأخيرة، جدارتها، واستطاعت أن تحتلّ مكانة هامّة داخل حقل الرواية العربية الواسع، مُلغيةً بذلك عقدة ما كان يسمّيه بعض النقّاد "المركز" و"الهامش". يظهر هذا سواءً في الجوائز التي فازت بها في المسابقات الأدبية العربية، أو في الترجمة إلى اللغات الأجنبية.

طرحُ هذا السؤال إنما يعكس الاهتمام المتزايد بها، ويندرج ضمن محاولة للبحث عمّا يمكن أن يميّزها عن الرواية التي تُكتَب في مناطق عربية أخرى.

نعم، للرواية المغاربية خصوصيّتها، تماماً مثلما أن لرواية بلاد الشام أو مصر أو الخليج خصوصيّتها أيضاً. وهذا أمر طبيعي؛ لأن الرواية هي أشدّ الأجناس الأدبية التصاقاً بالواقع وأكثرها تعبيراً عن تحوّلاته الدائمة، وهي تعكس، أكثر من غيرها، الأسئلة والقضايا والإشكاليات الفكرية والهواجس الثقافية التي تشغل المثقفين.

وإذا وضعنا جانباً المناخات العامّة في الرواية المغاربية وكل العلامات التي تُحيل إليها بشكل مباشر، كالفضاءات الجغرافية وأسماء الشخصيات والمدن والتي نجدها في روايات المناطق العربية الأخرى، يمكننا أن نذكر عدّة ملامح؛ أبرزها وأكثرها دلالة اثنان:

يتجلّى الأول في الميل الواضح لدى عدد من الروائيين المغاربيّين إلى التراث بكل تلويناته، لاستلهامه وتوظيفه، بغية تنويع طرائق السرد. ويستوجب هذا التوجّه، الذي لم يختف أبداً وإن تناقص في الأعوام الأخيرة، استخدام لغة تراثية مغرقة في القدم أحياناً، خصوصاً أن بعض المتحمّسين لهذا التوجه هم، إلى جانب كونهم روائيين، باحثون ونقّاد ومدرّسون في الجامعات، لديهم معرفة عميقة ودقيقة بجوانب مهمّة من التراث وبأساليب القصّ القديمة.

في تونس مثلاً، أدّى هذا الميل في فترة ما إلى ظهور ما يمكن أن نعتبره تياراً في الرواية التونسية. ويتمثّل في أعمال روائية تطمح إلى أن تكون استمراراً لما بدأه محمود المسعدي في كتابه "حدّث أبو هريرة قال"، والذي اختار، خلافا لمجايله نجيب محفوظ، أن يكتب روايةً مختلفة في بنيتها ولغتها ومناخاتها عن الرواية الغربية. وكان هدفه ابتكار شكلٍ سردي حديث يتناغم مع أشكال القص العربي القديم ويقوم أساساً على بنية الخبر، كما في كتب التراث، وتحديداً "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني.

الملمح الثاني هو ميل الكثير من الروائيّين المغاربيّين إلى التجريب. يمكن القول إن بعضهم كان في فترة الثمانينيات مهووساً بذلك إلى درجة أن التجريب كاد يطغى على التوجّهات الروائية الأخرى، وصار مقياساً للجودة لدى عدد من النقّاد.

لم يكن التجريب الذي شهدته كل بلدان المغرب العربي بدرجات ونجاحات متفاوتة منفتحاً على كل التجارب الحداثية في كتابة الرواية، ولم يحاول الاستفادة ممّا أنجزه فوكنر أو كونديرا أو جويس وغيرهم من الروائيّين الذين فتحوا آفاقاً جديدة للرواية، إنما تبنّى معظم مفاهيم التجريب كما حدّدها تيار "الرواية الجديدة" الفرنسية التي تزعّمها ألان روب غرييه.

ورغم جرأة هذه المدرسة في كسر النمط الروائي القديم وتميُّز أطروحاتها النظرية، لم تتولّد عنها نصوص روائية مهمّة، باستثناء أعمال قليلة لـ كلود سيمون. كان التجريب الذي دعت إليه شكلانياً، ويمكن أن نصفه بأنه سطحي وأيديولوجي إلى حد ما. لذا، عادت الرواية الفرنسية مع جان ماري لوكليزيو وباتريك موديانو الفائزَين بجائزة نوبل للآداب وغيرهما من روائيي فرنسا البارزين إلى التقاليد الأساسية الكبرى للرواية، لكن بروحٍ جديدة وبرؤى حداثية تناسب زمنها.


* روائي تونسي مقيم في فرنسا

المساهمون