لوحة واحدة لمغرب متعدّد

05 فبراير 2015
مقطع من لوحة لـ نور الدين ضيف الله
+ الخط -
"خمسون سنة من التشكيل في المغرب: 1956 ـ 2015" هو محور المعرض الضخم الذي تحتضنه قاعة الفن في المكتبة التابعة لمسجد الحسن الثاني، في مدينة الدار البيضاء، حتى 28 شباط/ فبراير القادم، ويشارك فيه أزيد من مائة فنان وفنانة يمثلون مختلف التجارب والحساسيات والأعمار الفنية.

يأتي هذا المعرض، الذي تنظّمه "الجمعية المغربية للفنون التشكيلية" و"النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين"، ليسلط مزيداً من الضوء على مسارات واتجاهات وأسئلة الممارسة الفنية التشكيلية المغربية خلال نصف قرن من الزمن، فيما اعتبره المتتبعون وقفة تأمل لهذا المنجز ومساءلة مساراته للوقوف على ما أضافه على مدوّنة التشكيل في الوطن العربي والعالم.

أول ردود الفعل عليه، أثارت مسألة تمثيل مختلف الفنانين المغاربة فيه، وما عكسته من غيابات لبعض الأسماء التي كان لها إسهام واضح في بناء تاريخ الفن في المغرب، وهو ما اعتبره المعلّقون نقطة سلبية قد تؤثّر على طموح المعرض في أن يكون مرآة تعكس تنوّع وغنى هذا المقترح الجمالي. رغم ذلك، يمكن اعتباره صورة مصغرة تعكس التحولات التي عرفتها مدونة التشكيل المغربي، سواء من حيث موضوعاتها واتجاهاتها، أو بالنظر إلى ما راكمته من اجتهادات تقنية.

ما يمكن تسجيله في هذا الإطار هو الحضور الطاغي لتلك اللمسة التجريدية التي برزت أول ملامحها بالتتابع مع الفنانين الرواد، أمثال محمد المليحي الذي استثمرها في موضوعة الإيروسية المتخففة من إيحاءاتها المباشرة، أو محمد حميدي الذي راهن على علامات مستمدة من تراث الثقافة الشعبية المغربية ببعديها العربي والأمازيغي، وامتدادها الأفريقي، أو مليكة أكزناي التي واظبت على رسم تلك الأشكال الطحلبية، حيث تتداخل الكتل اللونية الصافية في ما بينها، مع توظيف بسيط لبعض العلامات الغرافيكية العفوية.

في المقابل، تعكس أعمال عزيز السيد وعبد الباسط بندحمان وسعيد حسبان، المنتمين إلى أجيال متقاربة، ما يشبه عوالم ألف ليلة وليلة، عبر رسم نساء مسترخيات في وضعيات مختلفة بالنسبة إلى الأول والثاني، أو على ملامح وجوه نسائية كركيزة لكشف دواخلها، بالنسبة إلى الثالث. أما أعمال أحمد بليلي، وهو من الجيل نفسه، فتقترح نماذج من أجواء بعض الفضاءات العامة، يقدّمها الفنان بلمسة غامضة وهلامية، تكتفي بما يشبه السمات الأكثر تعبيراً عن خواء الكائن وهشاشة مآلاته، عبر اعتماد متواليات لونية باهتة.

وفي أعمال بعض الأسماء التي تنتمي إلى الأجيال اللاحقة، تبرز لمسة تجريدية إشارية تحتفي بالإنسان في حالاته الأكثر إيلاماً وهشاشة وتذمراً، كما في لوحات الفنان ماحي بينبين، الذي يراهن على موضوعة التشظي والانكسار اللذين يلحقان الكائن جراء تعرّضه لمختلف أنواع الشطط والقهر.

لـ أحمد بن إسماعيل


وتحضر في المعرض، أيضاً، أسماء يبذل أصحابها جهداً في الإعلاء من شأن الجانب التقني. إنه رهان سعد حساني الذي يركّز على تلك الكتل المتصادية والمتقابلة التي تستثمر المفردة اللونية في شكل بقع ممهورة ببعض العلامات الغامضة؛ ورهان أحمد بن إسماعيل، الذي يلجأ إلى تخطيطات وعلامات قريبة من عوالم الطفولة. في حين تقدّم أعمال بشير أمل مقترحاً فنيّاً واعيّاً بشرطه الجمالي الحداثي، سواء عبر توظيف تقنية اللصق بذكاء، أو عبر اللجوء إلى تلك البقع اللونية الحارة بطريقة تؤسّس لتوازن العمل الفني فضائيّاً.

ومن الأسماء التي تنتمي إلى الجيل الجديد، ثمة حسن الشاعر الذي يمزج بين المنشأة والصباغة، عبر وقوفه الحاذق على معالجة مسألة التوازن في الفضاء، إذ يبقى وفيّاً لذلك التناوب اللوني المراهن على تعبيرية اللونين الأبيض والأسود في تدرجاتهما الممكنة والدالة.

دلالات
المساهمون