مفكرة المترجم: مع عبد الهادي سعدون

26 سبتمبر 2019
(عبد الهادي سعدون)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "مواقف الكاتب السياسية والاجتماعية والأخلاقية تدفعني لترجمة عمله أو رفضه، على العكس من قراءاتي المتنوّعة والباحثة هنا وهناك دون تقييد"، يقول المترجم العراقي.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- منذ فترة الدراسة في كلية اللغات بجامعة بغداد، ما إن تعلّمتُ الإسبانية حتى شرعت بقراءة قصائد لوركا الأولى (الأغاني الأولى) وترجمتُها بعد عناء طويل، وتشجّعت على إرسالها إلى مجلّة "الطليعة الأدبية" العراقية حينها، وكان ذلك سنة 1990. ولكن جابهني مديرها، القاص خضير عبد الأمير، بأنهم سيطّلعون عليها وسيجيبونني، لكنني لم أستلم إجابةً حتى اليوم، وهي الترجمة نفسها التي نشرتُها مؤخّراً عن "دار الفراشة". أمّا أول كتاب مترجَم منشور لي، فهي ترجمة مشتركة عام 1999 بعنوان "منتخبات من قصّة أميركا اللاتينية" عن "دار ورد" السورية.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

- صدرت لي هذا العام ثلاثة كتب مترجمة؛ هي: "لا شفاه لك أيها الطير: الخمسة الكبار في الشعر الإسباني الحديث" عن "دار المعقدين"، و"مسافر خفيف المتاع" لـ أنطونيو ماتشادو عن "دار شهريار"، و"حكايات غجر إسبانيا الشعبية" عن "كلمة للترجمة"، وقبلها مع نهاية 2018، أنجزت أكبر أنطولوجيا شعرية إسبانية صدرت عن "دار آفاق" في القاهرة: "هكذا هي الوردة: قرن من الشعر الإسباني الحديث، القرن 20". أمّا ترجماتي الحالية، فأحاول التركيز على ترجمة دراسات فكرية وأدبية مختلفة الاتجاهات، وبما أنني عشوائي في الترجمة والإنجاز، فلا أحبّ أن أذكر عنواناً قد أتركه جانباً دون إنجاز وبلا سبّب معين!


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟

- العقبات عديدة وقد لا يسع المجال لذكرها هنا، ولكن أهمّها التقليل من قيمة وجهد المترجم، وعدم تقديره مالياً، ووضعه في خانة ثانوية قياساً لجهده وغمط كل حقوقه. ثم إنَّ العملية برمّتها تكاد تكون فرديةً من دون مساهمة أو تعاضد من أية جهة ثقافية، حكوميةً كانت أم أهلية. يوجد المترجم العربي وحده في حقل مهمّ تقوم عليه مؤسّسات نشرية وثقافية عملاقة في العالم الغربي.


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- الحقيقة أنّني لست متعصباً إطلاقاً لمسألة المراجعة بعدي ومنح دور للمحرّر بالتصويب والتحرير والمراجعة، وأغلب ترجماتي جرت بهذا الشكل. أمنح الحرية كاملة لدار النشر والمحرّر لوضع التصوُّرات المقنعة والمفيدة للترجمة وللطبعة. أعتقد أنَّ على مترجمينا أن يهبطوا قليلاً إلى أرض الواقع وألا يعتقدوا أنهم مُلّاك النص، فالنص للقارئ، وللآخر الملاحظة والتصويب والتشاور والمراجعة، وكلّها مفيدة للكتاب.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- لأكن صريحاً منذ البدء، كل كتبي المترجمة تقريباً، وهي تفوق ثلاثين كتاباً، اخترتها وترجمتها بنفسي حتى قبل أن أعرف في أي دار ستُنشر، وربما هناك كتاب أو اثنان جرى عرضُهما عليَّ ووافقت عليهما لإعجابي بهما. أمّا علاقتي مع النشر والناشرين فهذا يحتاج إلى كتاب، لعل اختياراتي الأخيرة مع دور نشر تحترم الكاتب والكتاب هو ما يجعلني اليوم أشعر بارتياح في التعامل والتجاوب، والتمعُّن بالتغيير الحاصل في دائرة النشر العربية.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- لم أنتبه ولا لمرّة لهذه المسألة. أعرف أنها مُقلقة لدى الكثير من الحكومات العربية، ولكنني أغنّي منفرداً حتى أجد من ينشر ما أترجم بشجاعة. أمّا موقفي كمترجم من موقف الكاتب السياسي، فهو محدّد بشكل كبير لاختياراتي، وإلا فالعملية برمّتها ستكون بمثابة عمل وظيفي أقوم به بناءً على تعليمات معيّنة من رئيسي الأعلى. أعترف أن مواقف الكاتب السياسية والاجتماعية والأخلاقية تدفعني لترجمة عمله أو رفضه، على العكس من قراءاتي المتنوّعة والباحثة هنا وهناك دون تقييد.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

- في أغلب الأحيان أعرف وأتعرّف جيداً إلى الكاتب، خصوصاً لو كان في إسبانيا أو وجدت له طريقاً. العديد من اختياراتي للكتب يجرى عن طريق معرفة تامّة بمؤلّفه الحي ولقائي به وطلب المشورة في بعض الأحيان منه للتصرُّف بالترجمة. كل كتب الأحياء التي ترجمتها، التقيت بكتابها وأنا على صداقة ومعرفة بهم. طبعاً هذا لا يُتاح دائماً. ثم إنني - وبالإضافة إلى ذلك - لا أعتقد أن الترجمة ستكون جيّدة أو سيئة قياساً لمعرفتك بالمؤلف من عدمها.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- أعتقد أنّها (على الأقل في حالتي) علاقةٌ طردية؛ فكل قراءة وترجمة هي إضافة لعوالمي الكتابية. وسواء اعترف المترجم أم لا، فلها تأثير في كتاباته، على الأقل بصورة غير مباشرة، بالاستفادة من التقنيات وطرق الكتابة والتنوُّع الأسلوبي. أمّا الترجمات وما يمكن أن يقع فيها من تأثير لي ككاتب، فهذا لا بد أن يقع، حتى لو شئت تجنّبه قدر الإمكان. في كل ترجمة أحاول أن أُخرج نفسي من النص المترجم، ولكنني لست موقناً كلياً بنجاحي بذلك. كل ترجمة تنشل مني ومن أسلوبي مثلما أستفيد منها في كتاباتي. العملية معقّدة ولكنها حقيقية!


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- أجدها مهمة وضرورية، ليس للقيمة المادية بقدر ما هي رد اعتبار لجهد موازٍ ومتمشٍّ مع العملية النشرية والكتابية. كل دول العالم قاطبة تقدّر جهد المترجمين وهناك جائزة وطنية فيها، إضافة إلى جوائز وتقديرات وامتيازات أخرى.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- هي فكرة ممتازة؛ لأنها تسدّ فراغاً لا يمكن ملؤه عن طريق الدور التجارية. ما يُعاب عليها أنها غير منفتحة في توجهاتها ولا تسمح بالتشاور والتعليق والتجاوب مع ما يستجدّ في الساحة. تكاد تكون مؤسّسات مغلقة على نفسها ولا تتقبّل سوى رأي أحد المستشارين أو المقرّرين. لو توصّلَت للجنة تلقّي منفتحة لكنّا أمام ثراء كبير، ولكنها أمنية لم أرها تتحقّق حتى الآن.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- ليست هناك قاعدة معينة، كل ما أعمله هو قراءةٌ وإعجاب بالكتاب قبل ترجمته، بعدها مران وعمل وترجمة لأشهر طويلة حتى إنجاز العمل. لا حلول سحرية ولا عادات غير العمل والحرص على الإنجاز بشكل مقنع وسليم. الترجمة مثل الكتابة تحتاج إلى تخصيص جهد ساعات طوال كل يوم، لترى بعينك الكتاب مترجماً.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- ندمت على ترجمة نصوص عديدة لاعتبارات الصداقة والمشاركات في الملتقيات الأدبية، ولكن، حتى هذه تفيد في المران والتطلُّع والقراءة المستمرة. لكنني لم أنشر أي كتاب أندم على ترجمته، فقط هناك نصوص منفردة في المجلات والصحف تضيع مع الوفرة الهائلة بين ترجمات أخرى رديئة.


■ ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟

- أنْ تُعامَل بوصفها عملية إبداعية أيضاً، وأن تُعامَل على هذا الأساس بكل صوره. أمّا حلمي فقد تحقّق فعلاً، بعد أنْ كنا نُعَدُّ على أصابع اليد كمترجمين غير محترفين من الإسبانية إلى العربية، أجدهم اليوم بالعشرات وبمستوى ممتاز، وهو ما يُفرح القارئ العربي ويمنحه اختيارات وتصورات جديدة في عالم الكتب المترجمة.


بطاقة
مُترجمٌ وروائي وأكاديمي عراقي وُلد في بغداد عام 1968، ويقيم في مدريد منذ 1993. دكتوراه في اللغة والأدب. أصدر أكثر من ثلاثين كتاباً مترجماً؛ من بينها: "من سيتجول في حديقتي" لـ خوان رامون خمينث (2009)، "بارتلبي وصحبه" لـ بيلا ماتاس (2010)، "قلب ناصع البياض" لـ خابير مارياس (2014)، "بلد القرفة" لـ وليام أوسبينا (2014)، "الديوان الغجري" لـ غارثيا لوركا (2015)، "الكوندي لوكانور: كتاب الحكايات والمسامرات والأمثال المفيدة" لـ خوان مانويل (2016).

المساهمون