التجارة بالكلمات

08 يونيو 2018
فاتح المدرس/ سورية
+ الخط -
يخوض العرب صراعاً مكشوفاً أحياناً، وخفياً أحياناً أخرى، على كلمة المقاومة، ويسعى بعضهم للاستحواذ على المفردة، وتطويبها باسمه في الشارع العربي، كما في الصحافة والمعاجم. وفي الغالب، تبدو السياسة اليوم هي الحقل المناسب لمعركة الاستيلاء على المفردة، أو التخلّي عنها. ويظهر هذا في الساحة السورية، أو هو قد ظهر في هذه الساحة منذ أن بدأت قوات "حزب الله" في التدخل العسكري هناك، مستخدمة المفردة في الاقتتال الفكري والسياسي.

وفي المقابل، راح سوريون كثيرون يسعون لانتزاع حقوق الملكية التي سجلت بشكل حصري لدى هذه الجهة السياسية وحدها، أو يحاولون أن يزيلوا عن المفردة صفات، أو وصفات، المقدس والمثالي التي ألصقت بها. والسبب هو أن المفردة قد استخدمت ذرائعياً كي تنفذ من خلالها أعمال وممارسات وحروب لا تربطها بالمقاومة صلات القرابة.

ومن الطبيعي أن يتعدّى الأمر الاستعمال اللغوي للمفردة، غير أنه يُغري بمتابعة التحوّلات التي طرأت عليها عبر أقل من نصف قرن من الحياة العربية المعاصرة. واللافت أن الخلاف على المقاومة كان قد بدأ منذ أواخر الستينيات في القرن الماضي، بصورة خلاف على عبارة "أدب المقاومة" بعدما أصدر غسان كنفاني كتابيه المعروفين "الأدب الفلسطيني المقاوم" و"أدب المقاومة في فلسطين المحتلة"، وقد صاغ المفردة دون أن تتسرّب إلى نصه أية خلفيات أيديولوجية أو سياسية، ووضع النتاج الأدبي في الأرض المحتلة في خندق المقاومة بصرف النظر عن الانتماءات الحزبية للروائيين والمسرحيين والشعراء هناك.

الراجح أن الانقسام السياسي سرعان ما ترجم إلى خلافات على استعمال المفردة، وبدا كأن المقاومة لا تعني الكتّاب الذين يتحدّثون عن الأدب الفلسطيني بقدر ما تعنيهم الذرائع اللازمة للتصديق على الاستعمال. وترجم الأمر إلى خلاف بين المفردة والمفهوم، وقد يحتاج الموضوع لمتابعة أخرى موسّعة للاستفسار عن الأسباب التي تجعل ناقداً مثل غالي شكري يسارع لنفي الصفة "مقاومة" عن الأدب الفلسطيني في الصفحة الأولى من الفصل الذي خصّصه لدراسة أبعاد البطولة في شعر المقاومة العربية في كتابه "أدب المقاومة"، الذي صدر بعدما نشر كنفاني كتابيه السابقين، فيقول إن الشعر الفلسطيني الذي كتب في فلسطين المحتلة عام 1948 "لا يتصل بشعر المقاومة إلا من قبيل المجاز، ولكنه يتصل أعمق الاتصال وأوثقه بمعنى المعارضة". في حين كان قد منح رواية توفيق الحكيم "عودة الروح" وشعر بيرم التونسي شرف الانتماء إلى هذا الأدب.

ثم أبدى أدونيس موقفاً مماثلاً لموقف شكري في كتابه "زمن الشعر"، واحتاج الأمر منه قليلاً من المراوغة كي يحوّر كلمة المعارضة التي استخدمها شكري إلى كلمة احتجاج، مضيفاً إليها تفسيراً طريفاً هو أن الشعر الفلسطيني شعر احتجاج "ودفاع عن الحرية المغتصبة ونوع من الهجوم الثقافي المضاد لثقافة الاحتلال"، غير أنه ليس شعر مقاومة.

في قصة "كلمتان" لإيزابيل الليندي، تبدأ بيليسا كيبو سكولاريو ببيع الكلمات بعدما أدركت أن بإمكان أي كان بقليل من السحر أن يحبسها ليتاجر فيها. هذا صحيح، والمهم أن نعلم ما نوع تلك التجارة.

المساهمون