جويس وبروست.. ذلك اللقاء

28 ديسمبر 2014
كاريكاتير للإسباني لويس باريخو
+ الخط -

في واحدة من رسائله، المنشورة أخيراً، إلى زوجته فيرا، يقدّم الكاتب الروسي نابوكوف رواية أخرى للّقاء الأسطوري الذي حدث بين الروائيين الإيرلندي جيمس جويس والفرنسي مارسيل بروست عام 1922.

لا تتفق الروايات المتعدّدة التي نُقلت عن اللقاء (كثير منها جُمع وقُدّم في كتاب ريتشارد إيلمان "حياة جويس") في كل شيء تقريباً، رغم أنه تمّ، على الأرجح، في حفلة أقامتها الكاتبة والمترجمة البريطانية سيدني شيف، احتفالاً بافتتاح أوبرا "رنار" لسترافنسكي في باريس في 18 أيار/ مايو. وبحسب إحدى الروايات؛ فإنّ جويس وصل ثمِلاً ومرتدياً ملابس متواضعة لا تليق بالحفل الكبير، وكان بروست من فتح له الباب رافلاً بالفراء.

يقول الشاعر الأميركي ويليام كارلوس ويليام، في سيرته الذاتية، إنه وما أن قُدّم جويس وبروست لبعضهما حتى تنافس الاثنان على رواية حكايات عن أمراضهما. وُضع كرسيان بجانب بعضهما في وسط الغرفة، حيث جلس البطلان، بينما رتب أنصار كل منهما أنفسهم على اليمين واليسار بانتظار أن تتّقد شعلة الدهاء لدى الاثنين:

قال جويس: "أعاني من الصداع يومياً. عيناي مزعجتان".

أجاب بروست: "معدتي البائسة. ماذا عليّ أن أفعل؟ إنها تقتلني. في الحقيقة، لا بد أن أغادر على الفور".

"أنا أيضاً"، أجاب جويس: "لو أنني أجد أحداً يأخذ بيدي. وداعاً!".

"معدتي، معدتي"، صرخ بروست.

أمّا الشاعر والروائي البريطاني فورد مادوكس فقدّم رواية أخرى لتلك الليلة فقال:

وُضِع كرسيان في مواجهة بعضهما في مدخل يفصل غرفتين. أتباع السيد جويس رتبوا أنفسهم في نصف دائرة في غرفة؛ بينما أكمل أتباع السيد بروست الدائرة في الغرفة الأخرى. جلس السيدان جويس وبروست متواجهين، حرّضهم الحضور على البدء في محادثة، ففعَلَا.

قال السيد بروست: "كما قلتُ، يا سيدي، في روايتي "من جهة بيت سوان" والتي لا شك أنك قرأتها...".

في هذه اللحظة قاطعه جويس واستولى على الحديث، قائلاً: "مثلما يقول السيد بلوم في "يوليسيس"، والذي لا شك في أنك قرأته، يا سيدي..".

قفز بروست من على مقعده وقال: "لكن لا، يا سيدي".

استولى السيد بروست على الكلام مرة أخرى. فاعتذر عن تأخره في الوصول، وعزا ذلك إلى مرض الكبد الذي يعاني منه. وأخذ يفصّل بوضوح ودقة شديدة ومطوّلة أعراض المرض.

"لحظة، يا سيدي" قاطعه جويس: "لدي تقريباً الأعراض ذاتها. الفرق أنّه وفي حالتي كان التحليل...".

وهكذا، وحتى الثامنة من صباح اليوم التالي، وفي صداقة وحماس تامّين، محاطين بأتباعهما الهلعين، ظل بروست وجويس يناقشان أمراضهما.

ورغم أن جويس زعم في بعض المرات أنه لم يقرأ بروست أبداً، إلاّ أنّه اعترف بمطالعة بضع صفحات، معلناً أنه لم ير فيها أي "موهبة فذة". أمّا الغيرة الوحيدة التي اعترف بها جويس هي ظروف بروست، حين قال: "بروست يستطيع أن يكتب؛ يملك ذلك البيت المريح في الـ"إتوال"، حيث الأرضية والجدران معزولة بالفلين لتظل الشقة هادئة. أما، أنا، فأكتب في هذا المكان، الناس يدخلون ويخرجون طيلة الوقت. وأتساءل كيف استطعت إنهاء يوليسيس".

روايات جويس نفسه عن حادثة لقائه مع بروست - توفي الأخير بعد ستة أشهر من الحادثة ولم يقل عنها شيئاً - تتمتع بالاستهتار، وأيضاً بإظهار نفسه بشكل أفضل: "محادثتنا تألفت فقط من كلمة "لا"، يقول جويس لصديقه الفنان الإنجليزي فرانك بودين. "سألني بروست إن كنت أعرف دوق كذا وكذا، وقلت لا. مضيفتنا سألت بروست إن كان قرأ كذا وكذا من "يوليسيس" فأجاب بروست لا... وهكذا".

تتفق كثير من المصادر على أن تلك الأمسية انتهت بالركوب في سيارة أجرة كان فيها جويس هو الشخص الوحيد غير المرحب به.

يظنّ إلمان أن جويس فتح الناقذة فأقفلتها شيف بقوة خوفاً على صحة بروست العليلة من البرد. كل الروايات حول تلك الليلة جديرة بالتصديق، لكن النهاية التي رواها نابوكوف، والتي قد تكون الأقل مصداقية، هي الأفضل. الكاتبان لم يقولا شيئاً لبعضهما، ولا حتى كلمة "لا": التقى جويس ببروست مرة واحدة؛ شاءت الصدفة أنّ بروست كان يركب سيارة الأجرة التي صعد إليها جويس. فُتحت النافذة التي كانت مغلقة.. وتقريباً تشاجر الاثنان.



ترجمة نوال العلي

* عن مجلة "لندن رفيو أوف بوكس"، عدد تشرين الأول/ أكتوبر 2014 

المساهمون