جاذبية سرّي: صورة ذاتية مع البيوت والصحراء

19 ديسمبر 2018
لوحة "أناس وبيوت"
+ الخط -

تنتمي التشكيلية المصرية، جاذبية سِرّي (1925)، إلى الجيل الثاني ممّن يُمكن وصفهم بروّاد الفن التشكيلي المصري، خصوصاً على صعيد الفن الذي قدّمته المرأة.

حتى السادس من الشهر المقبل، يُقام لها معرض استعادي في "غاليري الزمالك" بالقاهرة. يُعيد المعرض، الذي افتُتح الأحد الماضي، تركيب سيرتها الفنية، خصوصاً أنه لا يكتفي بعرض لوحاتها المنجَزة، بل يضمّ كذلك مجموعة من الاسكتشات وأعمال الطباعة إلى جانب رسومات مائية من مراحل مختلفة لتجربة يقارب عمرها سبعة عقود، أقامت خلالها الفنّانة أكثر من سبعين معرضاً فردياً.

ينقسم عمل سرّي إلى عدّة مراحل، فقد بدأت تجربتها ميّالةً إلى الواقعية التي جسّدت فيها الشخصيات المصرية اليومية، في أعمال كانت مليئة بالتفاصيل ومحتشدةً بالخطوط والزخارف.

ومن أبرز لوحات هذه المرحلة: "امرأة تتزين". استمرّت هذه التجربة حتى منتصف الخمسينيات حين اكتشفت الواقعية التعبيرية التي ظهرت فيها المواضيع الشعبية واللجوء إلى الأشكال الهندسية التجريدية إلى درجة ما، فبدأت الشخصيات، التي كانت جامدةً في المرحلة الأولى، تجنح إلى الحركة والفعل في الثانية؛ كاللعب مثلاً، كما أنجزت أيضاً رسومات ذات طابع قصصي، وكاريكاتيري أحياناً.

مع نهاية الستينيات، رسمت الفنّانة عدداً كبيراً من الأعمال التي خصّصتها للبيوت، وقد اعتبرَها النقّاد مرحلةً بحد ذاتها انهمكت فيها سرّي في رسم المنازل القاهرية، وظهرت فيها محاولاتها في تجريب الخطوط التجريدية أكثر، إلى جانب التكعيبية، وقد استمرت في رسم البيوت إلى أن أخذتها الصحراء إلى عالمها، فبدا أنها تحوّلت من الانتقال بين مدارس الرسم، إلى الانتقال بين المواضيع.

المثير للاهتمام أن هذه المرحلة بدأت بعد هزيمة 1967، والتي يذكر نقّاد أنها شكّلت تحوّلاً كبيراً في فنّها. ويبدو أنها لجأت إلى رسم البيوت كردّ فعل على النكسة، إذ يظهر البشر في تلك الأعمال وقد تحجّروا مع البيوت المخرّبة والمهدّمة، أو أنهم سجناء هذا الحطام، وظهرت البيوت أحياناً أخيلة بشر فقدوا قدرتهم على الحراك.

فجأةً انتهت البيوت، وانهمكت سرّي في رسم الصحراء التي لم تظهر بشكلها الواقعي، بل بوصفها تلك المساحة الحارّة الطلقة التي يمكنها أن تكون شكلاً هندسياً أو خيالات متقشّفة وبعيدة. وعوضاً عن إثراء اللوحة بالتفاصيل، بدا أن الفنّانة تميل إلى تخفيف الزخارف والتفصيلات، والتركيز على اللعب في مساحة مفتوحة واسعة، لتجرّب كيف يمكن للفنّان أن يرسم بتفاصيل أقلّ. وقد هيمن رسم الصحراء عليها حتى أواخر السبعينيات وبدأت تُدخل عليها تجربتها السابقة فتمزج الصحراء بالبيوت.

بعد التجريب في الثيمات، انتقلت جاذبية سرّي إلى تجربة المواد المختلفة، كما مزجت كل مراحلها السابقة لتخرج بلوحة حرّة تماماً تنتقّل فيها بين المدارس والثيمات والمواضيع، وبين فراغ اللوحة وامتلائها.

للفنانة أيضاً بعض أعمال البورتريه الذاتي التي رسمتها مطلعَ التسعينيات، وفيها يظهر وجه صارم لشخصية واضحة يحيط بها التشويش والصخب اللوني.

المساهمون