تشكّل الرواية التاريخية فضاءً لإعادة فهم الذات والهوية، حيث أنها لا تكتفي باستحضار الشخصيات التاريخية بل تعيد تركيبها وترتيب علاقتها بالحاضر، سواء من خلال اختيار الأحداث ذات الدلالة أو إعادة الاشتغال على ما هو تراثي بلغة معاصرة.
تشهد قطر في السنوات الأخيرة حضوراً للرواية التاريخية ضمن مشهدها الأدبي، من أبرز تجلّيات ذلك رواية "القرصان" لـ عبد العزيز آل محمود، والتي تجاوزت أفقها العربي إلى ترجمات إلى لغات أوروبية، كانت آخرها الألبانية. كما نذكر رواية "ماء الورد" (2016) لنورة فرج، والتي كانت محور جلسة نقدية بعنوان "ملامح الرواية التاريخية في الأدب القطري"، نظّمها "الملتقى القطري للمؤلفين"، أقيمت أمس في "قاعة الحكمة" بمبنى وزارة الثقافة والرياضة في الدوحة.
شارك في الجلسة كل من الباحثة الأردنية امتنان الصمادي، والباحث الجزائري عبد الحق بلعابد الذي تحدّث عن وجود تعدّد في كتابة الرواية التاريخية في قطر، وتنوّع في مقاربات الكتّاب الذين خاضوا تجربتهم مثل آل محمود وعيسى عبد الله، وصولاً إلى فرج.
وفي كلمتها، تقول الصمادي أن "للكاتب الحق في تصوير شخصياته – حسب رؤيته – لا كما تم تصويرها، وهنا يجنح الروائي إلى تقديم شخصياته روائياً لا تاريخياً، ويرى بعض النقاد أنه لا يجوز محاكمة الروائي على أسلوب وطريقة تقديمه للشخصيات التي اختلقها في الرواية"، مضيفة: "كما أن النقل التصويري للأحداث لا يشكل رواية تاريخية بالمعنى الفني للرواية".
تشير الباحثة الأردنية إلى أن نورة فرج "قدمت عملاً روائياً متخيلاً باستخدامها لأحداث تاريخية، وعملت على سرد أحداث الرواية بطريقة ذكية، من خلال إسقاط الرواية على الأحداث التاريخية، وتعاملت مع الأحداث والتفاصيل، بسخرية ودراية أدبية"، وتابعت قائلة: "رواية ماء الورد قدمت قراءة ناقدة لأحد أضعف العصور العباسية من القرن الرابع الهجري، واستحضرت بذلك ميلاد الأوضاع الراهنة من خلال الماضي، مصوّرةً واقعاً متشكلاً في واقع لم يكتمل تشكله بعد".
وأشارت إلى أن الكاتبة اتكأت في بناء أحداث الرواية على ثلاثة أركان أساسية، هي: الفتن في العصر العباسي، والازدهار الفكري، والجانب الإنساني المتجسد في العلاقات الرومانسية. وعن اختيارها لشخصيات العمل، فقد راوحت بين توظيف شخصيات تاريخية كالمقتدر، ووزيره ابن الفرات، وابن المغيرة صاحب الشرطة، وأبي طاهر القرمطي، الذي عُرف بحادثة اقتحام المسجد الحرام، والأصفهاني، وتناولت شخصيات متخيلة كليلى، وعابد، والجد كاتب المصنفات التاريخية، بحيث ألقت كامل المسؤولية عن التردي على الشخصيات التاريخية.
وتابعت قائلة: "أوكلت الكاتبة للشخصيات المتخيلة دور الوقوف في وجه الظلم، في حركة صراع موفقة فنياً، فيصبح التاريخ متهماً بالتلوث والسقوط، ويتحمل مسؤولية سقوط الأمة، على خلاف ما كنا نجد من بعض الروايات التاريخية، التي تستنبط جوانب مضيئة من التاريخ، لتشير إليه وتؤشر على الفارق بينه وبين واقع مأزوم".