ما أجهله يكفي لملء كتاب

11 نوفمبر 2017
(من سلسلة دفاتر لـ ستيفن ألكوك)
+ الخط -

كان الكاتب الراحل أحمد بهجت يرى أن الإهداء يُعطي قيمة للعمل ويعمّق المعنى ويجسد الفكرة المحورية للكتاب. بينما كانت رؤية أمين الريحاني للإهداءات العربية في زمنه قاسية، لذلك فهو يرفض أن يقدم في كتابه "المحالفة الثلاثية في المملكة الحيوانية" إهداءً لأحد، بل يقول "إن الكاتب الإفرنجي يهدي كتابه ليشكر من هو بالشكر أولى، والكاتبُ العربي - ونقول ذلك آسفين - يهدي ليتزلّف إلى هذا، ويستجدي ذاك، ومنهم من يقبض أجرته سلفاً، ومنهم من يقبضها بعد أن يطبع مديحه الكاذب. ويعسر علينا أن نجد لنفسنا مكاناً في إحدى هاتين الطبقتين".

عدم إهداء المؤلفات كان دأب عدد من كبار المبدعين، مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس. وخوفاً من الوقوع في براثن النفاق التي يتحدث عنها، فقد أهدى يوسف السباعي روايته "أرض النفاق" إلى نفسه! بعض الضغوط الاجتماعية تظهر أيضاً في إهداءات المؤلفين، فـ جوزيف روتمان أهدى كتابه "مقدمة في علم الجبر" قائلاً: "إلى زوجتي مارجانيت وأولادي إيلا روز ودانيال آدام، الذين لولاهم لاكتمل هذا الكتاب منذ عامين". أما غابرييل غارسيا ماركيز فكتب في إهداء روايته "الحب في زمن الكوليرا": "إلى زوجتي مرسيدس طبعاً"، وهي عبارة غامضة لا نعرف تحديداً كنه الشعور الذي حمله ماركيز أثناء كتابته لكلمة "طبعاً"، وهل كان جاداً أم ساخراً؟ في حين كان أحمد رجب واضحاً في سخريته حين أهدى كتابه "الأغاني": "إلى زوجتي؛ تقديراً وإعجاباً وانبهاراً بقوة احتمالها عند غنائي في الحمام".

الكاتبة جيني لوسون في روايتها "دعنا نتظاهر أن ذلك لم يحدث أبداً"، أظهرت في إهدائها عقدة نفسية قديمة، حين كتبت: "أريد أن أشكر كل من ساعدني لإبداع هذا الكتاب؛ ما عدا الرجل الذي صرخ بوجهي في (متجر كيه) عندما كنت في الثامنة من عمري ظناً منه أنني وقحة جداً. أنت أحمق يا سيدي".

في حين يقول الكاتب الأميركي والمغني والممثل كريس كولفر في روايته "أرض القصص": "إلى جدتي التي كانت أول محرّر لي، والتي أعطتني أفضل نصيحة تلقيتها على الإطلاق عندما قالت: كريستوفر؛ أعتقد أن عليك الانتظار حتى تنتهي من دراستك الابتدائية قبل أن تصبح كاتباً فاشلاً". وهذا قريب مما ذكره أدهم الشرقاوي في إهداء كتابه "كش ملك": "إلى مدرس اللغة العربية الذي قذف دفتر التعبير في وجهي، وقال: ستموت قبل أن تكتب جملة مفيدة".

أما راسل براند، فقد أهدى مذكراته إلى أمه قائلاً: "كتابي هذا مذكرات عن الجنس والمخدرات وكل ما يخطر على البال أهديه إلى أمي، أهديه إليك يا أعظم امراةً في حياتي، لكن بحق السماء؛ لا تقرئيه". كذلك أهدى باولو كويلهو روايته "11 دقيقة"، وهي تدور حول عالم الدعارة وتعقيداته، إلى موريس غرافلين، وهو رجل تجاوز السبعين قابله في فرنسا، وتعرف إلى زوجته وحفيدته، ويظهر من إهدائه الحرج الذي عانى منه المؤلف أمام مادة الكتاب التي قد تصدم بعض معجبيه، وربما تهز صورته الوقورة أمامهم.

وهناك الشاعر الأميركي إدوارد إيستلين الذي فضح في إهدائه ما مر به في سبيل نشر ديوانه "سبعون قصيدة"، الذي رفضته عدة دور نشر. وفي النهاية لجأ إلى والدته التي أقرضته 300 دولار جعلته يتقدم إلى الناشر سامويل جاكوبز ليطبع الديوان على نفقته الخاصة. يأخذ إيستلين بنصيحة الناشر ويغير عنوان الديوان إلى "لا شكر"، فيقول: "لا شكر لكل الناشرين الذين رفضوا نشر كتابي بكل أدب"... ثم أخذ يذكر بالترتيب كل شركات النشر التي خذلته.

أما الكاتبة والإعلامية الأميركية تشيلسي هاندلر، فتصدّر كتابها "تشيلسي تشيلسي بانغ بانغ"، بإهداء إلى إخوتها وأخواتها وتصفهم بأنهم مجموعة من المغفلين. بينما كتب مواطنها توبياس وولف في إهدائه:"إن أول أب له بالتبني اعتاد أن يقول إن ما يجهله يكفي لملء كتاب، حسناً هذا هو الكتاب".

دلالات
المساهمون