مصطفى لغتيري.. عن معادلة عربية جديدة

15 مارس 2017
(مصطفى لغتيري)
+ الخط -
تعود التباسات العلاقة بين المشرق والمغرب العربيين إلى عوامل عديدة تأخذ أحياناً كثيرة طابعاً تنافسياً، وربما مشوباً بالريبة، في المشهد الثقافي العربي، حيث لا تصل في الغالب إصداراتهما الأدبية والفنية إلى بعضهما البعض، وتعوز كلا الطرفين فرصة الالتقاء والحوار والتناظر حول المختلف بينهما قبل المتفق عليه.

في حديثه مع "العربي الجديد"، يطلق مصطفى لغتيري (1965) جملة أحكام ومواقف قد تبني لنقاش قادم رغم حدّتها وعدم صحة بعضها بالمطلق، لكن الروائي المغربي يطرح هنا تساؤلاته حول أسباب عدم الالتفات إلى الروايات المغاربية لدى القائمين على الجوائز العربية البارزة، التي تتركّز معظمها في بلدان مشرقية؛ خليجية منها على وجه الخصوص.

ويشير، على سبيل المثال، إلى أن الرواية المغربية تظهر في اللائحة القصيرة واللائحة الطويلة لـ "جائزة بوكر العربية"، لكنها سرعان ما تختفي في المرحلة النهائية عند إعلان الرواية المتوّجة، باستثناء رواية محمد الأشعري، التي حصل عليها مناصفة عن روايته "القوس والفراشة" عام 2011.

يرى لغتيري أنه يمكن الإشارة إلى الحضور المطّرد والفعّال للرواية المغربية، التي باتت تجد رواجاً لها في المشرق لدى القرّاء والنقّاد على حدّ سواء، بعد عقود طويلة شهدت انحساراً لها وعدم قدرتها على تجاوز الحدود، حتى إلى جوارها القريب.

"لماذا هذا الغياب الصارخ للروايات المغربية عن الجوائز؟"، سؤال يطرحه صاحب رواية "ابن السماء"، مقدّماً شواهد عديدة تدفع إلى تقديم تساؤله؛ ومن بينها الإقبال المتزايد من دور نشر مشرقية على نشر الكتاب المغربي، وفي مقدّمته الرواية، ما يفنّد المزاعم حول استمرار ما كان يسمّى بـ"القطيعة" التي تحول دون اطلاع القارئ المشرقي على إصدارات المغرب.

وبما أن الرواية المغربية باتت تُطبع وتسوّق شرقاً، فما الذي يفسّر عدم اختيارها من قبل لجان التحكيم، التي تنتخب بدورها روايات لا تفوقها بمستواها الفني والإبداعي لتنال تلك الجوائز، بحسب لغتيري، الذي يوضّح: "ليس خافياً على أحد أنّ المعادلة التي حكمت علاقة المشارقة بالمغاربة أدبياً، كانت إلى وقت قريب تتمثّل في أن المشارقة يكتبون والمغاربة يقرؤون".

يتابع: "مع مرور الزمن، مرّت مياه كثيرة من تحت الجسر، فالمغاربة فرضوا أنفسهم وما يزالون في الكتابة النقدية، وحتى الإبداعية، وتميّزوا في كتابة القصة القصيرة التي منحوها كثيراً من الجهد والاهتمام، لكن اطّلاع المشارقة على التجربة القصصية المغربية ظلّ محدوداً، بل يكاد يكون منعدماً".

أما بخصوص الرواية، فيرى أنه "منذ عقدين تقريباً خطت الرواية المغربية خطوات كبيرة كماً وكيفاً، أهّلتها لمنافسة الروايات المشرقية، غير أنه ما دامت الجوائز العربية مموّلة مشرقياً، فإن الروائيين المغاربة سيبقون مغبونين إلا من فلتات استثنائية تؤكد القاعدة".

وأضاف صاحب "عائشة القديسة" أن "ما يؤهل الإبداع المغربي انفتاحه على جميع التجارب الإبداعية العالمية، مشرقها ومغربها، كما أنّ مرحلة التعلّم لدى المغاربة أخذت وقتها الكافي". في المقابل يقرّ الروائي المغربي بأن التجارب الشعرية في المغرب متنوّعة وواعدة، لكنها في عمومها ما زالت تدور في فلك التجربة الشعرية المشرقية الرائدة والقوية.

ولتفسير غزارة إنتاجاته وإصداراته التي وصلت إلى 24 إصداراً، بينها 15 رواية، الشيء الذي يجعله من أكثر الكتّاب المغاربة إنتاجاً، يقول لغتيري إن "الفضل يعود إلى إقباله الكبير على القراءة بشكل مكثّف ومتواصل".

ولفت إلى أن كثيراً من المواضيع تنبثق في الذهن بشكل متواصل ومتنامٍ، فلا يتردّد في صياغتها ضمن رواية أو قصة قصيرة أو قصيدة أو مقال، وأحياناً يتملّكه شعور بأنه وُجد أساساً لكي يقرأ ويكتب، متمنياً أن تتاح الفرص أمامه لقراءة وكتابة المزيد.

لكن الكاتب العربي يعيش مفارقة غريبة، بحسب لغتيري، تتمثّل في غزارة إنتاجه ونوعيته اللتين يلازمهما ضيق ذات اليد، منوّهاً إلى أن "دور النشر وحدها من يستفيد مادياً من الروايات العربية، بينما يكتفي الكتّاب بالاستفادة المعنوية".

ويستدرك صاحب "أحلام النوارس" بقوله: "ضعف نسبة القراءة في الوطن العربي وشرَه بعض دور النشر، يجعلان الكاتب فقيراً معدماً، ولا يمكنه العيش من ريع كتبه".

يأسف لغتيري على الكاتب المغربي والعربي عموماً الذي صار ملزماً بممارسة وظيفة أخرى من أجل كسب لقمة عيشه، حتى وإن أصدر عشرات الكتب النوعية، خلافاً لثقافات أخرى تحترم كتّابها وتقدّم لهم الدعم، عبر مِنَحِ التفرغ الإبداعية التي تُمنح من قبل الحكومات والمؤسسات الخاصة والأهلية.

يورد الكاتب المغربي خبراً قرأه حول استقالة كاتب ألماني شاب، أصدر كتابه الثاني، من الوظيفة ليتفرّغ للكتابة، لأن دخل كتابيه ضَمِن له عيشاً كريماً. خبرٌ أصابه بحسرة، سرعان ما تجاوزها، لأن إيمانه بالكتابة ومراهنته عليها يتجاوزان كلّ هذه الحسابات رغم مشروعيتها.

ويختم لغتيري حديثه مع "العربي الجديد" بالقول: "أتمنى أن ينال الكاتبُ التقدير الذي يستحقه، باعتباره صانعاً من صنّاع الرأسمال الرمزي العربي".



المساهمون