عز الدين قنّون.. المسرحي العضوي يغادر العرض

30 مارس 2015
تصوير: غسان غريسي
+ الخط -

تختلط مسيرة المسرحي التونسي عز الدين قنون الذي فارقنا أمس عن 63 عاماً، بمعاركه في سبيل الفن. لعل أبرزها معركة هي انتزاعه لـ"صالة الحمراء" من النسيان والتهميش في قلب حي شعبي، وتحويله إيّاها إلى فضاء عرض وتدريب مستمر، جسّد فيه حلمه بـ "مسرح عضوي".

معركة تُلخّص مشروع حياة ضد الفساد الذوقي والروتين والظلامية والتجهيل المقصود.
درس قنّون المسرح في الجامعة التونسية، وانتقل في نهاية السبعينات إلى فرنسا. هناك حيث كانت تتشكّل نخبة ستؤثر في الواقع التونسي عبر موجات عودتها إلى تونس، فشكّل مع آخرين حالة مسرحية تونسية تشتغل على الشأن اليومي وقضاياه الاجتماعية والسياسية، ومطلة في الآن نفسه على الأفق المسرحي العالمي.

سنة 1981، أسّس فرقة "المسرح العضوي" صابّاً حلمه المسرحي في مفهوم المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي: "المثقف العضوي"، ذلك الذي لا ينفصل عن مجتمعه تحت ذريعة النخبوية، ويظل ممسكاً بجمرة الثورية والروح النقدية على الدوام.

طالما ردّد قنون: "لممارسة فن المسرح نحن في حاجة إلى... مسرح". من هنا، دخل في نضال ضدّ البيروقراطية وعقلية الإهمال، حين قرّر أن يجعل، في 1985، من صالة سينما مهجورة قبل عقدين مسرحاً أطلق عيله اسم "مسرح الحمراء"، فكان الفضاء الذي وجدت فيه مسيرته أفقاً للتقدم والتطوّر.

هناك، تتالت مسرحياته التي شارك فيها من مواقع مختلفة (مخرج في الغالب، وكذلك كاتب نص ودراماتورج). أعمال نذكر منها: "الدالية" (1988)، "المصعد" (1994)، "طيور الليل" (1996)، "حب في الخريف" (1997)، "رهائن" (2006).

ما ميّز مسرح قنون هو تقشفه الركحي، حيث ترتكز أعماله على الحبكات الدرامية وجسد الممثلين. في مسرحياته، يبدو كل شيء مدروساً وموضوعاً في مكانه بعناية شديدة، بداية من تعابير الوجوه وصولاً إلى حركة المؤدين فوق الركح.

لإنجاز هذا المسرح، اشتغل قنون كثيراً على تدريب الممثلين، وقد جعل من "مسرح الحمراء" ورشة مستمرة للتدريب المسرحي. مشروع حرص أن يظل منفتحاً على كامل أطياف المسرحيين من عرب وأفارقة وأوروبيين، وكذلك على مسرح الهواة والمسرح المدرسي. وفي 2001، أسس "المركز العربي الأفريقي للتكوين والبحوث المسرحية".

رغم مرضه، كان عز الدين قنون حاضراً بقوة في الحراك الشعبي الذي عاشت تونس على وتيرته بعد الثورة. وقف ضدّ ترسيخ "حالة الهشاشة التي يعيشها الفن" بعد موجات التهديد البوليسي والمتطرفين.

وفي آخر مسرحياته، "غيلان"، تحدّث عن خيبة أمل التونسيين في حلمهم الذي تقاذفته النزاعات والمصالح. هكذا، ظلّ قنون يصارع مرضه من جهة، ومن ثانية منظومة التضييقات على الفن والمشاكل المفتعلة.

دلالات
المساهمون