تراثنا الفلسفي سجين المتحف

23 يونيو 2015
(تمثال ابن سينا في اسطنبول)
+ الخط -

كثيرة هي الكتب التي تتناول الفلسفة العربية الإسلامية ومدارسها، وأكثر منها تلك الكتب التي تُعرّفنا بحياة وأفكار الفلاسفة المسلمين. غير أننا حين نمسح هذه الأعمال نجد أنها من صنفين، إلا ما ندر منها؛ فهي إما مدرسية تعريفية، أو هي أكاديمية مستعصية عن قراءة العوام. فما جدوى هذه الأعمال إذا لم تتسرّب أفكارها إلى حياة الناس؟

لقد جعل هذا الوضع من الفلسفة العربية القديمة قطعة متحفية، نحتفي بها ونُبجّلها دون أن يكون لها أي حياة أخرى بيننا. نتداول أسماء ابن سينا والغزالي وابن تيمية وابن خلدون ولكن مبعثرين لا رابط بينهم. صحيح أن فجوة زمنية تفصلنا عن هؤلاء وآخرين من صنّاع تاريخنا المعرفي، وصحيح أن مشاغل الفكر اليوم بعيدة كل البعد عن محاور اهتمام الأقدمين، لكن كل ذلك ليس ذريعة كافية للإبقاء عليهم سجناء المتحف.

إننا حين ننظر شمالاً، سنجد أن ذروة الفكر الفلسفي في الغرب (القرن الثامن عشر والتاسع عشر) قد اتكأ أبرز رموزها على الفلسفة اليونانية القديمة وخصوصاً لدى الألمانيّين كانط وهيغل. ثم حين خرج من إهاب هؤلاء من كشفوا مآزق فكرهم (ماركس ونيتشه) ارتكزوا هم أيضاً على نفس التراث، وهو ما نظّر له هايدغر في القرن العشرين وسمّاه بالعودة الضرورية للأصول عند كل مأزق حضاري.

ولعلنا نعيش أكثر من هؤلاء مأزقاً حضارياً، بل أشد تركيباً من مأزقهم، إذ إننا نعيش مأزقهم ومأزقنا في آن، ولا مخرج منهما إلا بالعودة إلى أصولنا. هذه العودة ستظل منقوصة وسطحية إذا اقتصرت على استخراج الموتى وأفكارهم. لقد جاء فلاسفة الغرب بالجدل القديم مثل تمارين عضلية للفلسفة الحديثة، وكانوا على قناعة أن إعادة الحياة إلى الفكر القديم لا بدّ أن تفيد الحاضر لأننا ننظر إليه في النهاية بعيون معاصرة.

في غياب هذا الاسترجاع الحيوي، نكون قد غرقنا في الفجوة (عصور الانحطاط) التي تفصلنا عن التاريخ العربي المضيء. كما أننا نجعل من أنفسنا سوقاً للغرب رغم أننا نملك نفس البضاعة التي يعرضها علينا. إننا حين نغيّب الفارابي نزيد من محورية أفلاطون لدى دارس الفلسفة العربي، وغياب الغزالي يزيد من عبقرية ديكارت، ومن هنا يبدأ تكريس الغرب ومركزيتِه.

لا بدّ لنا اليوم من تذويب تراثنا الفكري في حياتنا، وهذا ما يجعل المسؤولية ليست ملقاة فقط على أكتاف المفكرين المعاصرين وحدهم، وإنما هي مسؤولية الروائي والصحافي والمخرج التلفزيوني والمنتج السينمائي والمدرّس، بل لعلها مسؤولية أي قارئ في أن يبذل جهداً في العودة إلى الفكر العربي القديم.

المساهمون