ماساو أداتشي.. فلسطين من وجهة نظر مقاتل ياباني

17 مارس 2019
(من فيلم "الجيش الأحمر: إعلان الحرب العالمية"، 1971)
+ الخط -

ليس هناك من تفاصيل مؤكّدة تقدّم رواية شاملة حول قدوم عشرات المقاتلين من طوكيو لتأسيس ما سُمّي "الجيش الأحمر الياباني" في لبنان للعمل مع فصائل المقاومة الفلسطينية خلال سبعينيات القرن الماضي، إذ غلب العمل والتخطيط بسرية مطلقة على جميع أنشطته، وتمّت أسطرته على نحو قد لا يطابق الوقائع على الأرض.

ظهرت دراسات ومقالات عديدة حول تجربة التقت حولها مجموعة من الشيوعيين اليابانيين، وكانت بداياتها مع فوساكو شيغينوبو التي لا تزال معتقلة في بلادها منذ سنة 2000، وأوكودايرا تسويوشي الذي استشهد أثناء تنفيذ أولى عملياته في فلسطين، وكوزو أوكاموتو عالم النبات الشغوف بـ الثقافة العربية. لكن يبدو أن الثابت في تلك اللحظة هو إحباطهم من ممارسات رفاقهم الشيوعيين في اليابان وصدمتهم من حجم العنف والمجازر التي سادت بينهم آنذاك.

في شباط/ فبراير عام 1971، توجّه ثلاثتهم إلى بيروت للقاء "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" من أجل إقناع قيادتها بالتحاق مجندين يابانيين للقتال في صفوفها، في لحظة ستغيّر مصائر العشرات.

يقدّم جانب من هذا التاريخ ضمن معرض "ماساو أداتشي - المشهد من وجهة نظر محارب"، والذي افتتح في "الجامعة الأميركية" في بيروت في السادس من الشهر الجاري، ويتواصل حتى 20 تموز/ يوليو المقبل.

حين نُفّذت عملية اللد عام 1972، ظهر للمرة الأولى اسم "الجيش الأحمر الياباني" كمنظّمة ثورية ضد الإمبريالية تقاتل من أجل تحرير فلسطين، وسيقرأ المخرج السينمائي أداتشي بيان العملية بصوته، وهو الذي ستعتقله السلطات اللبنانية بعد مرور خمسة وعشرين عاماً حافلة بالأحداث، ثمّ يرحّل بعد ثلاث سنوات إلى اليايان، حيث لا يزال يقيم هناك ممنوعاً من السفر.

يضمّ المعرض فيلمَين للمناضل والفنان وكاتب السيناريو والمنظّر الياباني (1939) أولهما هو "أ.ك.أ. قاتل متسلسل" (1969) وينتمي إلى الموجة اليابانية الجديدة التي تدعى "فوكاي - رون" وشكّلت عودة رمزية إلى الطبيعة التي اختفت في اليابان حين احتّلت الأبراج كامل مساحاته العمرانية وما تحمله من رمزية تشير إلى توحّش الرأسمالية، وثانيهما هو "الجيش الأحمر: إعلان الحرب العالمية" (1971) الذي يتضّمن رؤيته السياسية وتجربة السلاح.

إلى جانب ذلك، نجد رسومات اشتغلها أثناء إقامته في سجن رومية بين عامي 1997 و2000، ونصوصاً ومؤلّفات أخرى له، ومقالات نُشرت إثر اعتقاله في لبنان، إضافة إلى مشاركته في نقاش مع الحاضرين يوم الافتتاح عبر السكايب.

يشير أداتشي إلى أنه أنتج العديد من الأفلام خلال تواجده في لبنان طيلة سبعة وعشرين عاماً، تتناول تدريبات لعدد من المقاتلين الفلسطينيين على عمليات تمّ تنفيذها، ومقابلات معهم وغيرها من التفاصيل، إلا أنها تعرَضت جميعها إلى التدمير في إحدى عمليات القصف الإسرائيلي.

ويوضّح المعرض تفاصيل مثل طلبه الزواج من المناضلة اللبنانية أمية عبود من خلف القصبان واعتناقه المسيحية، وتلقّيه العلاج من خلال الوخز بالإبر، وإنجازه العديد من الكتابات والرسومات أثناء السجن، والتي تشكّل في أساسها تعويضاً عن حرمانه من التصوير والتعامل مع الكاميرا ثلاثة أعوام، وفقدانه مواد فيلمية تتجاوز مئتي ساعة بسب انتهاكات "أبشع احتلال"، كما يروي في فيلم قدّمه المخرج الفرنسي إريك بودلير حول سيرته بعنوان "27 عاماً من دون صور".

تحتوي المقالات التي يقدّمها المعرض على تحليلات تتناول الاعتقال وعمليات الجيش الأحمر الياباني، وتنقسم بين ما نشره كتّاب فلسطينيون وعرب حول التجربة عموماً، وما وضعه أداتشي منها بشكل خاص، وأخرى كُتبت في الصحافة الغربية واليابانية تهاجمها وتنظر إليه وإلى رفاقه بوصفهم "مخرّبين" و"إرهابيين".

يركّز المنظّمون على تأملات وتنظيرات "المقاتل الياباني" وصورته التي تشكّلت حوله بين معارض ومؤيد، في تجاهل يبدو متقصّداً حول العلاقة مع "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بحيث تغيب روايتهم لمسار الأحداث وذكرياتهم مع أحد أبرز رفاقهم، والتي بإمكانها أن تضيء أكثر كيف ولماذا قاتل من أجل فلسطين.

المساهمون