هموم شعرية: مع ديمة محمود

01 مايو 2018
(ديمة محمود، تصوير: إنغر-ماري إيكيو)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر المعاصر ومقروئيته. "علينا أن نتوقف عن إغراق الشعر العربي في النمطية والذاتية المتجهمة"، تقول الشاعرة المصرية ديمة محمود في حديثها إلى "العربي الجديد".


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبرين نفسك شاعرة مقروءة؟
- قارئي ربما يعثر عليّ بالصدفة، إما أن يقع ديواني في يده على حين غرّة أو يقرأ لي نصاً منشوراً في إحدى الصحف أو المواقع القليلة التي أنشر فيها. لكنني بالطبع أيضاً أعلم أن قارئي -وفي البداية على الأقل- لن يكون بائع عربة خضار مثلاً. ليس في الأمر استهانة أبداً لكنني لا أدعي البساطة ولا أودّ أن أنظّر بأن قارئي ليس من مغرمي الشعر أو حتى يمتلك رفاهية البحث عن نصوصي طالما كان مطحوناً في قاع المجتمع وليس بوسعه أن يصل إلا وبالكاد للقمة عيشه. أما كوني مقروءة فقد لا يكون رأيي ذا مصداقية أو قيمة، لكن أعتقد أنني لست مقروءة على الأقل بالمفهوم الرائج والشعبي، وفي الوقت نفسه يفاجئني أن أعرف أن ثمّة من لا يعرفني شخصياً ولا حتى صديقاً على الفيسبوك ويقطن في بلد بعيدٍ جداً لكنه يسرد بسلاسة مذهلة نصوصاً كاملةً لي.


كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلمين به لشعرك؟
- لا تزال المصلحة المادية هي رقم واحد في أولويات الناشر العربي، وإن لوّح بالشعارات عن الرسالة الأدبية والتنويرية التي يحملها على عاتقه من خلال النشر. ورغم أنه يضطر لأن يصبح تاجراً فهلوياً وبهلواناً في آنٍ معاً، إلا أنه في الوقت نفسه يواجه موجات الكتب المزورة وكتب البي دي اف في صراع خفي تنطبق عليه مقولة "ولاد الحرام ما تركوش لولاد الحلال حاجة". وسواء نشرت بعض الدور كتباً بمضامين ركيكة ومخزية أو همشت دواوين الشعر لصالح الروايات في واجهات العرض فإن تدليل فئة من الكتّاب إما لأن جيوبهم ممتلئة أو لأنهم مرشحون لحصد الجوائز ورفع المبيعات لن يكون آخر المطاف في حكايات دور النشر. بالنسبة لي لديّ تجربتا نشر، أمتنّ للثانية منها (دار العين، القاهرة) في التعريف بالديوان من خلال توزيع الكتاب ونشره ومشاركته في معارض الدول العربية. أما عن الناشر الذي أحلم به فهو ناشر يعطيني مالاً بدل أن يأخذ مني وينشر كتبي خارج نطاق العالم العربي.


■ كيف تنظرين إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
- باستثناء عدد محدود للغاية، فإن النشر في المنابر العربية بشكل عام أصبح محض عبث. فكل ما يكتب يمكن نشره وبلا هوادة في منابر مختلفة بتغاضٍ عن قيمته الأدبية وسلامته اللغوية. الأمر صار سهلاً جداً وخرج من دائرة المعايير والقيمة، وصار التنافس بكمية النشر، وحدّث ولا حرج بمن يتهافتون من مواقعهم التحريرية للنشر لحشو مواقعهم أو للمجاملة والمحسوبيات من جهة ومن يتسابق من الكتّاب للنشر من خلال أصدقائهم وحتى مريديهم من جهة أخرى. وفي الواقع، فإن هذا يتماهى مع منظومة الواقع الهزيل لمجتمعاتنا ثقافياً وسياسياً واجتماعياً.


■ هل تنشرين شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترين تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
- أنشر شعري في صفحتي الخاصة على الفيسبوك فقط وأعتبرها نافذةً لتعريف الآخرين بشعري وإيصال صوتي لهم وأعترف أن هناك متعةً وسحراً للتفاعل المباشر مع النص في حال كتابته مع الأصدقاء المهتمين خاصة عندما تترقب رأي فئة منهم تؤخذ آراؤهم وطروحاتهم على محمل الجد والمصداقية. أسعى دائماً أن أحصّن نفسي ضدّ التبعات السلبية لنشر النصوص في الفيسبوك من موجات التّماهي والاستنساخ والتسطيح والصوت الواحد أو حتى القطيعي والتي تشكل نتاجاً طبيعياً لثقافة الاستقطاب التي ترزح في ظلها مجتمعاتنا على كل صعيد. كما أنني غير معنية بالسائد والأكثر رواجاً وقبولاً أو النص الكتالوع لأنني لا أعتبر الشعر سلعةً يروّج لها أو يساوم عليها بحال. والنص المجيد يعرف طريقه لمريديه فقط وهذا يكفي في عقيدتي.


■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
- قارئ الشعر العربي اليوم هو الغاوي وحده لذا ليس للشعر قراء بحجم شعر الرأس، لكن هذا لا ينفي أن ثمة ذائقة شعرية بدأت تشيع ولحدٍّ ما بين قطاع من الأجيال الجديدة بفضل انتشار نسخ الكتب الرقمية الـ"بي دي إف" ونشر الشعر في وسائل التواصل الاجتماعي.


هل توافقين على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- هذا صحيح إلى حد كبير حيث ساهم الإقبال الكبير لدور النشر على طبع ترجمات جديدة وإعادة طبع ترجمات قديمة في التعريف بآداب اللغات الأخرى على نطاق واسع. وسهولة توفر هذه الترجمات نفسها "بي دي إف" جعلها متاحةً فعلاً للقراءة لدرجة التنافس ضمنياً على قراءتها من خلال مواقع وقنوات الكتب الإلكترونية الافتراضية والصوتية. ويجب ألا نغفل دور وسائل التواصل الاجتماعي التي تتناقل بكثافة نصوصاً مترجمة لا يخلو بعضها من السطحية (كما بعض المطبوع) ولو أننا قرأناه بمعزل عن اسم صاحبه، كما في كثير من النصوص العربية لوجدناه بلا شعرية إما لتفاهته فعلاً أو لتشويه الترجمة له ولسنا في معرض الحديث عن هذا الآن. الترجمة بلا شك ناقل مهم وثريّ للأفكار والحضارات والثقافة ومؤثر لا يمكن التغاضي عن أهميته في صقل وتطوير بل وتحرير الذائقة والمعرفة لكن هذا شيء والتسليم بسيادة وأولوية كل ما يترجم أمر آخر تماماً، الفصل في ذلك بلا شك للقيمة الأدبية الحقيقية وحدها لكن علينا أن نعترف أن ثمة ضموراً واضحاً تجاه الاطلاع على كل ما يتعلق بالثقافة والكتابات العربيّة. ولا أغفل هنا الإشارة إلى ظاهرة تقليد النصوص المترجمة وحتى تحويرها لدى كثير من الشعراء.


ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
- سيظل الشعر العربي هو كنز اللغة وسر الفن في ممارستها كرقصة. لا يمكن اختزال الحديث عن الشعر العربي في نقاط قوة ونقاط ضعف، لكن علينا أن نتخلى عن إغراقه في النمطية والذاتية المتجهمة أو المسخ الذي لا يعدو كونه هذياناً يحاكي تجارب عربية مستنسخة عن غربية مشوهة، لننطلق نحو فضاءات أوسع من الابتكار والتوجه إلى العالم بلغة كونية ونبتكر أشكالاً غير تقليدية داخل القصيدة ونفكك كل السلطات والقيود التي تبدأ من اللغة بالشعر.


■ ما الذي تتمنينه للشعر العربي؟
- أتمنى أن يصبح الشعر العربي مقروءاً باللغات الأخرى على نطاق كبير وأن تنضم لذاكرة الشعر العالمية أسماء عربية حالية أهم من نزار قباني ومحمود درويش وأدونيس، وأن تتخلص الشاعرة العربية من ثنائية الذبيح والعاطفة في نصوصها. يلزمنا أيضاً أن نراجع كتابتنا الشعرية ونحدثها وننتشل اللغة والصورة معاً من دوائرنا المغلقة والمغلّفة، ليس في الشعر وحده بل وفي النقد حينما يكون هناك ما يستحق أن يسمى نقداً. وبشكل أدق فإن واقعنا الثقافي الذي لا ينفك بحاجة للتغيير في مجمل وجوهه. وحينما يحدث هذا فإن للشعر -كل الشعر- أن يستعيد جوهره من خلال تأثيث فوضى العالم بأفكاره وقوانينه وثوابته. عموماً وحتى لا أبدو حالمةً أقول أن علينا جميعاً كشعراء أن نمارس هذا فردياً.


بطاقة: شاعرة مصرية من مواليد عام 1972 تقيم في القاهرة. صدرت لها إلى اليوم مجموعتان شعريتان، الأولى بعنوان "ضفائر روح" (2015)، والثانية بعنوان "أُشاكس الأفق بكمنجة" (2017، الصورة)، وتصدر قريباً مجموعتها الشعرية الثالثة. "لغة مغايرة تتحرك بمرونة في خابية التمرّد"، هكذا يصف الشاعر والناقد محمد عيد إبراهيم تجربتها التي تتموقع ضمن أبرز النماذج الجديدة لقصيدة النثر المصرية.

المساهمون