مع صدور كتابه "عصر العلماني" عام 2007، تساجل العديد من الباحثين والأكاديميين شرقاً وغرباً مع المفكر الكندي تشارلز تايلور (1931) الذي قدّم مقاربات معمقة ومحتشدة بالأمثلة والإحالات حول تموضع العلمانية في الحياة والفكر والمجتمع خلال قرون.
مجموعة مرافعات تضمّنها الكتاب الذي رفض صاحبه تبسيط الأمور على نحو نرى فيها العلمانية بأنها فصل بين الكنيسة والدولة واحتكار الحقيقة من قبل السلطة وصعود للفلسفات الدنيوية، مشيراً إلى أن الأمر أكثر تعقيداً، حيث أن الإله، بحسب وصفه، ترك الكنيسة ليبارك أتباعه في كلّ مكان.
"تنويعات العلمانية في عصر العلماني" عنوان ترجمة الكتاب الذي صدر حديثاً عن "الشبكة العربية للأبحاث والنشر"، ويضمّ أوراقاً بحثية لعدد من المشتغلين في حقول معرفية مختلفة، قام بتحريرها مايكل وارنر، وجوناثان فان انتورين، وكريغ كالهون، ونقلتها إلى العربية عومرية سلطاني.
"ما الذي يعنيه القولُ إننا نعيش في عصر علماني؟"، هذا هو السؤال الذي يطرحه تشارلز تايلور في العبارات الأولى التي يستهلّ بها كتابَه، وبالنظر إلى حجم الكتاب ومكانةِ مؤلِّفه كأحد المفكرين الرواد في عصرنا، فإن "عصر العلماني" يطالب باشتباك جادٍّ مع ما يتضمنه من محتوى.
لهذا السبب قام الباحثون المشاركون بتقديم تحليلاتهم الخاصة لعمل المفكر الكندي من خلال مجموعة من الدراسات، في محاولة لإلقاء الضوء على شيء من التعقيد الذي يطاول مسألةَ العلمانية، والكثافةَ التحليلية التي استخدمها تايلور لسبر أغوارها، وتنوُّعَ النقاشات التي أثارها كتاب "عصر العلماني".
من بين المشاركين في الكتاب: عالم الاجتماع الأميركي روبرت بيلاه، والباحثة التركية نيلوفر غول، وعالم اللغويات الهندي عقيل بيلغرامي، والمنظّريْن السياسييْن الأميركييْن وليم إي. كونولي وويندي براون، والباحث النيوزلندي سيمون ديورنيغ، وأستاذ الأديان البريطاني جون ميلبانك، وأستاذة الأنثروبولوجيا البيريطانية صبا محمود.
تحدّد المجموعة الأولى من الدراسات صلة تايلور بالتقاليد الفكرية كمقارنته بمنظّرين اجتماعيين في فترة ما بعد الحرب، وقراءة نقده للحداثة في علاقته بتاريخ طويل من اللاهوت المسيحي، ومقارنة مشروعه بالمادية التاريخية لدى ماركس.
واعتبرت المجموعة الثانية من الدراسات كتاب تايلور استفزازي فكانت قراءات مؤلفيها نقدية وكانت ردوداً على عصر العلماني بصورة أساسية، وتعالج المجموعة اللاحقة من الدراسات مشكلات الشكل والمنهج من خلال الإجابة عن الآتي: نوع الكتاب؟ مفهومه للتاريخ؟ والتحديات التي يفرضها.
أما المجموعة الأخيرة من الدراسات فهي تحليل للعلماني في ظل الظروف العالمية وكانت تقييماً لكتاب تايلور من وجهة نظر الكيفية؛ إذ عمدت إلى إضفاء صبغة إقليمية على تركيز تايلور على اللاتينية المسيحية، ليختتم الكتاب بكلمة لتايلور فيها دعوة صريحة لمواصلة النقاش، فقدم عرضاً للسردية الرئيسة للعلمانية، وأعاد النظر في مفهومه عن "المخيال الاجتماعي"، واستجاب لمنتقدي مفهومه عن "الاكتمال".