صدر منذ أيام كتاب جديد بعنوان "زمن المشهد.. إلى بدايات الثورة الجمالية" لـ جاك رانسيير (1940)، وهو عملٌ يبدو كأنه يملأ مربّع فسيفساء جديد ضمن اللوحة العامة لمؤلفاته التي تناولت تاريخ الفن والتجربة الجمالية من زوايا متعدّدة.
في هذا الكتاب، يعود المفكّر الفرنسي إلى سنة 1790 حيث يلاحظ أنها سنة شهدت أكثر من حدث على مستوى النظرية الجمالية، ففي أحد نصوصه التي وضعها في ذلك العام الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط أدخل تصميم الحدائق ضمن "الفنون الجميلة"، وتضمّنت قصائد للشاعر الإنكليزي وليام ووردزورث كُتبت في نفس العام تمجيداً لمشاهد طبيعية، جاعلاً منها ليس فقط حدثاً بصرياً وإنما ملامسة عميقة للنفس البشرية.
حول هذا الكتاب، يتحدّث رانسيير مساء الخميس المقبل، 13 من الشهر الجاري، في "مكتبة مصر الصغيرة" في باريس متناولاً أهم النقاط التي توصّل إليها انطلاقاً من ملاحظته تلك، وكيف تأسّس "المشهد" كمفهوم جمالي شامل في الفن التشكيلي.
ولد رانسيير في الجزائر العاصمة سنة 1940 لأسرة تتنقل باستمرار بين مرسيليا والجزائر، لتستقر لاحقاً بشكل نهائي في باريس مع تقدّم أبنائها في الدراسة. في سنوات تحصيله الجامعي، اتجه رانسيير نحو الفكر السياسي بتأثير من أستاذه لوي ألتوسير وشارك في عدّة مشاريع في هذا الإطار، من أبرزها الكتاب الجماعي "قراءة رأس المال".
غير أن رانسيير سينفصل بالتدريج عن أستاذه ليبدأ في خوض مغامرات فكرية أبرزها إطلاق مجلة "الثورات المنطقية" مع مجموعة من أصدقائه، واشتغل على إبراز تجارب فكرية غير معروفة مثل إشرافه على نشر كتابات لوي غابرييل غوني وجوزيف جاكوتو، كما قدّم نقداً جذرياً للنظريات التربوية في عمله "المعلم الجاهل".
أما مجال الاشتغال الذي اشتهر به فهو التنظير الفنّي، وهنا تنقّل بين حقول الفن التشكيلي والسينما والشعر، ومن أبرز مؤلّفاته في هذا الإطار: "مالارميه: سياسة عروس البحر" (1996)، و"لحم الكلمات" (1998)، و"مشاركة المحسوس" (2000)، و"اللاوعي الجمالي" (2001)، و"المتفرج المحرّر" (2008)، كما صدر له في 2018 كتاب حواري بعنوان "طرق المشهد" مع الباحث التونسي عدنان جدي.