الغناء الصوفي: تجلّيات مصرية وعربية

03 يوليو 2016
رشيد قريشي/ الجزائر
+ الخط -

في السنوات الأخيرة، عاد مصطلح الصوفية إلى الانتشار من جديد. وبعيداً عن كونه تياراً له تابعوه من المسلمين، عرباً وغير عرب، تحت ما يُسمّى بـ"الطرق الصوفية"، فإن حضورها بات مرتبطاً أكثر بالمستوى الثقافي والفنّي، متمثّلاً بشكل خاص، في الموسيقى.

ثمّة ما يُشبه الاتفاق على تسمية الموسيقى ذات الأرتام المتكرّرة، مثل الزار والقناوة وموسيقى حلقات الذكر، بالموسيقى الصوفية، بالنظر إلى تقاطعها مع الصوفية في الجانب الروحي المتمثّل في الارتقاء بالنفس البشرية والبحث عن الحقيقة المطلقة التي يجسّدها الله.

يُمكن تتبّع بدايات هذا النمط الموسيقي في بلدان شرقية؛ مثل الهند وباكستان وأذربيجان وتركيا، وصولاً إلى بلدان عربية كانت حديثة عهد به؛ مثل مصر التي شهدت، منذ سنوات قليلة فقط، انتشار التسجيلات القديمة لشيوخ مصريين، من الخمسينيات، يؤدّون ابتهالات وقراءات؛ مثل النقشبندي، الذي يُعدّ أوّل من فتح باب الإنشاد الصوفي، ونصر الدين طوبار ومحمد عمران.

مع الحراك الذي تشهده الساحة الموسيقية العربية المستقلة، وكثرة وسهولة تأسيس الفرق وإنتاجها، أصبح التصوّف تياراً موازياً في إنتاجه للأدعية الدينية وأغاني المناسبات. وفي ظلّ غياب شعر صوفي جديد أو معاصر، اتّجهت تلك الفرق إلى الشعر القديم، متمثّلاً في القصائد المترجَمة لـ جلال الدين الرومي وعمر الخيّام، وغيرهما.

اتّخذت الموسيقى التي تُنتجها تلك الفرق أشكالاً مختلفة؛ فبعضها تبنّى الطريقة التقليدية المتمثّلة في الإنشاد الصوتي الذي تصاحبه آلة إيقاعية (الربابة أو الكمان غالباً)، وبعضها تشكّل من جوقة مصغّرة؛ كما هو الحال بالنسبة إلى الشيخ زين محمود صاحب أغنية "يبكي ويضحك"، التي أعاد تقديمها بلحن مختلف عن ذلك الذي قدّمته به المطربة اللبنانية فيروز أو المصرية الشيخة صباح.

يُضاف إلى ذلك من يُوصفون بأعلام الذكر الصوفي؛ مثل أحمد التوني وأحمد برين ومحمود ياسين التهامي، والذين أُعيد نشر تسجيلاتهم القديمة التي باتت تحظى بشعبية، حتى خارج أوساط جمهورهم التقليدي.

أيضاً، ظهرت تجارب مختلفة؛ مثل تجربة "أزرق سماوي"؛ فرقة الروك السكندرية التي عادت مؤخّراً إلى المشهد بعد توقّف دام عدّة سنوات، بسبب سفر العديد من أعضائها. أدّت الفرقة كلمات صوفية على نمط الروك، وحقّقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً.

كذلك، فرقة "لوبيريا" التي مزجت أرتام موسيقى القناوة بالأشعار الصوفية على نغمات الغيتار والغمبري، ومشروع "صليب صوفي" الذي خرج من عباءة فرقة "رسالة" السكندرية، ليقدّم بأسلوبه ما مارسه فيها على نطاق أوسع من مزج للترانيم القبطية بالأشعار الصوفية.

لا تفوتنا أيضاً تجربة "إيجيبشان بروجكت" التي جمعت بين موسيقيين فرنسيين يصنعون الموسيقى الإلكترونية ومغنّين مصريين شعبيين، وأحياناً طلبة أوركسترا، لتنتج مزيجاً غريباً من الموسيقى غير محكَم في أغلبه، لكن يستخدم الأشعار الصوفية والمواويل الشعبية ذات البعد الروحي.

في التجارب الفردية، نشير إلى تجربة "زجزاج"، المطرب القاهري الذي قدّم أشعاراً صوفية غناءً على موسيقى الروك أيضاً، كما كانت له تجربة ناجحة في تسجيل أدعية صوفية مع الموسيقي هاني شنودة، كما نذكر هنا أيضاً محمد سرور وعلي الهلباوي، وإن افتقر مشروعاهما إلى النضج.

لعل التجارب غير المصرية في هذا الشأن قليلة. لكن، لا يُمكن إغفال تجربتي فرقة "حلم" العراقية، وفرقة "ابن عربي" السورية التي حقّقت انتشاراً واسعاً على نطاق عربي، باعتمادها على الآلات التقليدية، إلى جانب تجارب فردية؛ مثل السوري بشار زرقان والتونسي لطفي بوشناق.

المساهمون