شذرات عبد الرحمن منيف

18 اغسطس 2014
رسالة من الفنان مروان قصاب باشي إلى منيف، 1996
+ الخط -

لا يوجد إنسان عربي مُعفىً من مهمة الدفاع عن وجوده. كل منا معني ولديه وسائله للتعبير عن احتجاجه وعن عدم الرضى. كثيراً ما أواجه في ندوات أو لقاءات بلماذا فعلت ذلك ولم تفعل ذاك، ولكني أسأل: أنتم ماذا تفعلون؟ كل واحد منكم مطلوب منه شيء ويجب أن يؤديه.

*

أغرب شيء في هذه الحياة، يا صاحبي، أنّ الناس السيئين لا يموتون. يعيشون أكثر مما يجب لكي يفسدوا حياة الآخرين.

*

قد لا تكون بلادنا أجمل البلاد، لأن هناك بالتأكيد بلداناً أجمل. ولكن في الأماكن الأخرى أنت غريب وزائد، أما هنا إن كل ما تفعله ينبع من القلب ويصب في قلوب الآخرين، وهذا الذي يقيم العلاقة بينك وبين كل ما حولك، لأن كل شيء هنا لك: التفاصيل الصغيرة التي تجعل الإنسان يحس بالانتماء والارتباط والتواصل.

*

كيف تُسمى ديمقراطية بوجود نظام الحزب الواحد وتغييب الآخر وعدم الاعتراف به، كيف تكون ديمقراطية عندما ينتفي الحوار وتنتفي حرية التعبير؟ كل ذلك نقيض الديمقراطية. وللوصول إليها في مجتمعنا العربي، لا بد من حرية الفكر، والتعبير الذي يؤدي بشـكل تراكمي إلـى الديمقراطية المبتغاة.

*

إذا كان الناس يفضلون، في بعض الأوقات، تذكّر الأيام الجميلة من الماضي، فإنّ الأيام القاسية يصبح لها جمالٌ من نوع خاص، حتى الصعوبات التي عاشوها تتحول في الذاكرة إلى بطولة غامضة، ولا يصدّقون أنهم احتملوا ذلك كله واستمروا بعد ذلك.

*

وإذا كانت في حياة كل إنسان لحظاتٌ ومواقفُ تأبى أن تغادر الذاكرة، فليس لأنها الأهم، أو لأنها أعطت لحياته مساراً ومعنى، إذ ربما لم تقع بنفس الدقة، أو بالتفاصيل التي يتخيلها أو يفترضها، وإنما لفرط ما استعادها في ذاكرته بشكل معين، ربما الذي يتمناه، يوماً بعد آخر، فقد أصبحت وحدها الحقيقة، أو وهم الحقيقة.

*

الحياة كلها صعوبات، والدليل على ذلك أن الطفل حين يخرج من الرحم يبدأ الحياة بالبكاء والصراخ، وتستمر الصعوبات يوماً بعد يوم، منذ لحظة الميلاد وحتى ساعة الموت، ولا يخفف منها إلّا النعمة، أما الموت فإنه يضع حداً للصعوبات كلها، والدليل أن الميّت يتوقف عن الألم، يتوقف عن الصراخ والاحتجاج، تاركاً هذه المهمة للذين حوله، للذين ما زالوا على قيد الحياة.

*

كان من الواجب أن نموت جميعاً برصاصات في ظهورنا، لأننا لم نعطهم سوى الظهور، تركنا الجسر وحيداً، وكان بصدره يواجه كل شيء وحيداً.

*

كما قلتُ لك: "قلب الرجل لا يخلو من امرأة"، قد تكون امرأة حية أو ميتة، قد تكون زوجة أو صديقة، وقد تكون شيئًا آخر. دائماً توجد امرأة.

*

الإنجاب هو الطريقة التي يمارسها الناس هنا ليتغلبوا على السأم.

*

ويجدر لفت النظر هنا إلى نوعية المواد التعليمية المقررة في المدارس، والتي من شأنها الحد من استعمال العقل، وتغليب النظرة الغيبية، ومراكمة المواد الحفظية، وعدم إفساح المجال أمام الأسئلة المختلفة، الأمر الذي يلغي المحاكمات العقلية والمقارنة، "فالخطان المستقيمان لا يلتقيان إلا بمشيئة الله"، والأرض لا يمكن أن تكون كروية، كما يؤكد رجال الدين. وضمن الدروس التي تُعطى للأطفال، وهم في سن العاشرة: كيفية غسل الموتى!

*

الذاكرة لعنة الإنسان المشتهاة ولعبته الخطرة، إذ بمقدار ما تتيح له دائماً سفراً نحو الحرية فإنها تصبح سجنه. وفي هذا السفر الدائم يعيد تشكيل العالم والرغبات والأوهام.

*

يفترض أن يبقى الدين في إطار الاعتقاد الخاص والشخصي، وحين يتوجه إلى الآخرين، يفترض أن يبقى في نطاق القيم الأخلاقية. أما إذا تحول إلى عمل سياسي، فيصبح عندئذ ذريعة لسلب حرية الإنسان وإرغامه على الامتثال، كما يصبح وسيلة لقهر الآخرين وتبرير استغلالهم.

*

إذا كان الإسكندر المقدوني قد عاقب شاعراً لجرمه، فقد طلب من الذين حوله، لمّا حضرته الوفاة، أن لا توضع يداه داخل الكفن، لكي يراهما الجميع، وليتأكدوا أنهما فارغتان، فهل يجرؤ أي من الحكام العرب أن يبقي يديه خارج الكفن؟

*

أريدك أن تكون حاقداً وأنت تحارب، الحقد أحسن المعلمين. يجب أن تحول أحزانك إلى أحقاد، وبهذه الطريقة وحدها يمكن أن تنتصر. أما اذا استسلمت للحزن، فسوف تهزم وتنتهي؛ سوف تهزم كإنسان، وسوف تنتهي كقضية.

دلالات
المساهمون