أصدقاء لغتنا: مع فتحي مهديّو

24 مارس 2020
(فتحي مهديّو)
+ الخط -
 

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع العربية. في حديثه لـ"العربي الجديد"، يرى المترجم الألباني ضرورة إشراك الشباب في نشاط الترجمة من اللغة العربية إلى الألبانية وبالعكس.


■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- بدأ انشغالي باللغة العربية في عام 1959، عندما بدأت بتعلّمها في مدرسة علاء الدين في بريشتينا. ثم تابعت دراستي اللغة العربية والتركية في جامعة بلغراد (1967 - 1971)، وتمكنت من الحصول على شهادة الأستاذية في علوم اللغة الشرقية. ومن ثَمَّ واصلت الدراسات العليا حتى نلت الدكتوراه في اللغة العربية.


■ ما أول كتاب ترجمتَه وكيف جرى تلقّيه؟
- الترجمة الأولى هي "تحت عجلات القطار" لمحمود تيمور، وقد قمت بنشرها عام 1971، في حين نشرتُ كتابي الأول عام 1983 بعنوان "الشعر العربي"، والذي يضمُّ في طياته مختارات من قصائد الشعراء العرب المعروفين؛ أمثال امرؤ القيس وأبي العتاهية والمتنبّي وأحمد شوقي وأبي القاسم الشابي ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي... لقد تابع القرّاء الألبان باهتمام القصائد العربية، وتمّ التعريف بكتاب "الشعر العربي" للجمهور في أشهر صحيفتين في العاصمة بريشتينا: "ريلينديا" و"فيالا".


■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- آخر كتاب لي كان مختارات شعرية ونثرية من الأدب العربي بعنوان "حب وصمود"، 2019، وقد صدر في بريشتينا عن "معهد الدراسات الشرقية". كما أعددت للطبع ترجمتي لكتاب جيزيل حليمي "جميلة بوباشا الجزائرية". وأعمل الآن على جمع كل ترجماتي للأدب العربي المنشورة في الصحف خلال عدة عقود، كما آمل أن أقدم مساهمات أخرى أيضاً.


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
- العقبة الأولى هي نقص الكتب، لأنه لم يتم توفير كتب الأدب العربي في مكتباتنا بما فيه الكفاية. لذلك، كنت أعتمد على ما تنشره الصحف العربية. والعقبة الثانية هي عدم وجود قواميس عربية - ألبانية، في حين ستكون في متناول المترجمين الجدد. هناك عقبة أخرى، تتمثّل في نشر الأعمال باللهجات العربية، وأنا شخصياً رفضت ترجمة بعضها لهذا السبب. الذين يدرسون اللغة العربية خارج البلدان العربية، أمثالي، لا يستطيعون الدخول في اللهجات. المعيار بالنسبة إلينا هو اللغة العربية الفصحى، التي تُستَخدم في الصحافة ووسائل الإعلام الرسمية. كذلك، الاتصالات النادرة جداً مع العالم العربي تمثّل عقبة أخرى أمامنا، لا سيما في التواصل، وفي الترجمة أيضاً؛ لأننا نحتاج غالباً أن نرجع إلى القاموس العربي - الإنكليزي أو العربي - لغة أخرى نعرفها. وتتطلّب المرادفات العربية الكثيرة من المترجم بذل جهد إضافي لاختيار الكلمة التي يحتاجها. اللغة الألبانية ليست فقيرة، لكن ليس لها قاموس بحجم "لسان العرب". لكن المترجم الألباني يجد بعض الراحة عند الترجمة من اللغة العربية بسبب التركيب النحوي القريب جدّاً من اللغة الألبانية. يواجه المترجمون من العربية إلى الألبانية مشكلة تمويل المنشورات، فعليهم البحث شخصياً عن الدعم المالي الطوعي لنشر أعمالهم الأدبية. يمكن التغلّب على هذا الموقف من خلال رفع مستوى الوعي الثنائي: الألباني والعربي، للاهتمام بتنمية التعاون المتبادل. ويمكن القيام بذلك من خلال الجامعات والمؤسسات الثقافية والعلمية الأخرى ذات الصلة. يساعد في هذا الشأن، الزيارات العلمية في العالم العربي للمترجمين الحاليين، ومن شأنه أن يجذب الشباب لتولّي نشاط الترجمة من اللغة العربية إلى الألبانية وبالعكس. وهذا ممكن أن يحدث مع مزيد من الرعاية من المؤسسات المختصة.


■ يلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معيّنَين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- هذه في الحقيقة النتيجة التي توصلتَ إليها! من جهة أخرى، أظهر الرأي الألباني الاهتمام بالأدب العربي منذ أمد بعيد. يتضح هذا من خلال ترجمات الأدب العربي المنشورة منذ عام 1924. في الستينيات من القرن الماضي، قام الألبان بترجمة الأدب العربي من الإنكليزية والفرنسية والروسية وما إلى ذلك. يتجلى هذا في الحقيقة التي تقول إن أعمالاً شعرية ونثرية ودرامية لقرابة مائتي كاتب قد تُرجمت إلى الألبانية، مثل كاتب ياسين، وعباس محمود العقاد، وحمد حداد، وإيليا أبو ماضي، وصلاح عبد الصبور، ومحمود تيمور، وتوفيق الحكيم، وعائشة أرناؤوط، وعبد الحميد بن هدوقة، وإبراهيم المازني، وفاضل السباعي، وعادل أبو شنب، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس وغيرهم.


■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسّسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
- لحد الآن، لسوء الحظ، لم يكن التعاون في المستوى. بريشتينا تدرّس اللغة العربية وآدابها في الجامعة منذ حوالي 50 عاماً، وعلى حد علمي لم يكن هناك أي دعم يستحق الذكر. حتى زيارات الوفود العربية إلى كوسوفو لم تقم بأي اتصال جدير بالذكر مع المؤسسة الوحيدة في المنطقة الألبانية التي تدرّس فيها اللغة العربية وآدابها. وتجدر الإشارة إلى الإسهام الذي قام به البروفيسور محمد أرناؤوط بمبادرة شخصية منه في إثراء مكتبة قسم الدراسات الشرقية بجامعة بريشتينا بالعديد من المنشورات العلمية والأدبية.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهمّ أن يصل إلى العالم؟
- العالم العربي واسع، ويمتد على قارتين وله تقاليد أدبية قديمة ضمن تقاليد أخرى، ابتداءً من القرن السابع الميلادي وما بعده على الخصوص، حيث كثر الكتّاب باللغة العربية ووُضع النحو العربي. الشعب الألباني واسع الاطلاع يفهم ويقدّر أن معرفة التراث الأدبي العربي والثقافة العربية مكسب عظيم له. يجب تعميق هذا الشعور وتطويره لأن الشعب الألباني والشعوب العربية يشتركون في قيم أخرى بالإضافة إلى تلك القيم الأدبية؛ فالشعب الألباني من أتباع الكتب الثلاثة المنزّلة، وأكثريتهم يتبعون القرآن الكريم بشكل أساسي، وهذه الحقيقة تضيف المزيد من المسؤولية علينا.


بطاقة
وُلد فتحي مهديّو في قرية زاياز بمقدونيا الشمالية سنة 1944. أكمل تعليمه الثانوي في المدرسة الإسلامية ببريشتينا في كوسوفو، وتعليمه الجامعي في قسم الاستشراق بجامعة بلغراد في صربيا، وعاد إلى كوسوفو حيث عمل مدرّساً في معهد التاريخ ثم في قسم الاستشراق حتى تقاعده.

يُعتبر من الجيل المؤسّس للاستشراق الألباني بالمعنى العلمي للكلمة، سواء من خلال مشاركته في تأسيس أوّل قسم للدراسات الشرقية في جامعة بريشتينا (1973)، أو من خلال دراساته النظرية وترجماته الكثيرة من التراث العربي ومن الأدب القديم والمعاصر، وهو أيضاً صاحب أول ترجمة ألبانية للقرآن والتي صدرت عام 1986، وتوالى إصدارها في طبعاتٍ عدّة.

في أيلول/سبتمبر الماضي، صدرت عن "معهد الدراسات الشرقية" في بريشتينا طبعةٌ جديدة من كتابه "عن الأدب العربي"، وهو عملٌ يحاول تلبية حاجات طلبة الدراسات الشرقية والقُرّاء الألبان المهتمّين بالأدب العربي، ويأتي بعد ترجمات كثيرة أنجزها مهديّو ليُعرّف بالأدب العربي وتطوّره خلال 1500 سنة؛ من الشعر الجاهلي إلى الرواية المعاصرة.

 
المساهمون