أنت بعيدة جداً وهذه ليست لغتي

08 مارس 2019
رافع الناصري/ العراق
+ الخط -

أريد لغة أخرى غير هذه اللغة التي أكتبها. لغة صافية. لغة لا أكون مهاجرًا فيها ولا مُعذبًا من هجوم كلام لا أستطيع أن أكتبه بالتفصيل. كنتُ أخلق روحي من ثنايا الظلام ثمَّ أوقع في دفاتر الكرام الكاتبين؛ وأنعش وقتي من الأمنية وأتعلم كيف أسبح في بحيرة الناقوس؛ ولا أشعر إلا بالذنب ولا غالب إلّا الشر في مدينةٍ تنتصب على جميع أبوابها عمائم سوداء.


■ ■ ■


لغة المعيار بُعدٌ ساخرٌ للسان الدارج؛ وأنا أحجبُ حقيقتي بكلمات المعاجم. هي نبرةٌ ساخرة لكلِّ ما أردتُ أن أسخر منه؛ فأخفيتُ حبّي لكلِّ شيءٍ يكرهه الآخرون؛ وأردتُ أن أبقى صامتًا في صراخ الطير وأكونَ بُعدًا جديدًا للأيام؛ لكنَّ متاعي قليلٌ وأيامي طويلة؛ أيام يضيع فيها الأحبة. أيام أصيح عليك وأنت أطرش.


■ ■ ■


أكتبُ كأنني غريب. في هذه اللغة العربية وفي هذه الكلمات. كأنني مسافرٌ من الدارج إلى هذه الفصحى. كأنني لاجئ فيها. هربتُ من لعنات أهلي وشرِّهم ولجأت إليها. أرى في نبرتي عذابًا أليمًا وندمًا ووحدة. أراني وحدي بين الأصوات. كأنني لست من يتكلم الدارج ولا من يكتب الفصحى. حجارة صغيرة تكفي لأنقش على الماء دوائر متداخلة وأضيع فيها.


■ ■ ■


ضبابيَّة هذه الأيام. هذه الأيام مسكونة بالضباب. الضباب الذي لم أر أحدًا فيه. ضاعت الجهات ومرة أعرف نفسي ومرة تضيع. مرة تضيع في تفاصيل اللغة ومرة في الاعتذار ممن يقرأ هذا الكتاب؛ وأندمُ كثيرًا وتأتي على الإنسان مرحلةٌ يذلُّ فيها عميقًا ويسكت مثل الحجر.


■ ■ ■


أنتِ تعذبينني كثيرًا. قلتُ لكِ لا أجيد اللغة العربية؛ وترغمينني على كتابة أوهامك وحيراتك ونبرتك. قلتُ لك أيَّتُها الآلهة إنَّ لغتي عوجاء وأنا رجلٌ متوتر. قلتُ لكِ كانت أمنيتي أن أنشر السلامَ على الأرض.


■ ■ ■


لا تجسد عقائدي. لا تجسدها؛ لا تجعلها شكلًا جسديًّا. عقائدي لا تتجسد. هي النبرة المستحيلة والغوص في مشاعر العنب؛ وفي أثداء من الماء الجاف. لكنَّ هذه اللغة لا تصنع إلا أدوات الجرائم. كانت اللغة قوة المجرمين؛ فأبدعتُ لنفسي لغة سأجد مفردتي بها مثلما أجد شيئًا تلقائيًّا خالصًا وكلُّ شيء سأطرده من هذا اللسان. كلُّ شرٍّ سأمنعه من الإقامة فيه وأخلقكم من جديد.


■ ■ ■


ضاقت بي الأيام وأخاف من أن تعطف هذه الفرس إلى حصان العدو. نسيتُك. أنت بعيدةٌ جدًا. لم تعودي مثل السابق. أنت نقطة صغيرةٌ على حرفٍ في كتاب سميّك. أنت قوس وروح جوالةٌ بين كلمات الناس. لك حياة كبيرة، مجموعة من كلام وعقائد وأنين. أنت بعيدة جدًا وهذه ليست لغتي.


* شاعر من الأهواز

المساهمون