نعمة الإهمال

04 مارس 2015
ستيف سابيلا / فلسطين، "بحث" (1997)
+ الخط -

الشعر هو الأكثر حرية بين الفنون اليوم، وفّرها له الإهمال المؤسساتي. لا أحد يكتب شعراً على مقاسات منفعة. لا مؤسسات ولا منتجين ولا ممولين، ولا حتّى ناشرين كما في حالتنا نحن العرب.

شعر التكسّب القديم انقرض تماماً. بقاياه في جزء من المنطقة العربية تبدو لنا خارج التاريخ، تاريخ الفن خصوصاً، وهي ليست حتّى مما يستحق التوقف عنده.

الشعر الآن - على مستوى العالم - يرفل بنعمة الإهمال. الأضواء شوّهت فنوناً أخرى وهيمنت على خطاباتها. الشعراء مطرودون من السوق اليوم، وبالتالي فهم أحرار من "قيمها". لا إملاءات خاصة تتعلّق بالإنتاج.

وكون الشعر فناً فردياً مادته اللغة، فهو بطبيعته خارج هيمنة الإنتاج ورأس المال. يبقى أمام الشاعر قوت يومه وتحقيق حريته الداخلية وفِلاحة لا تنتهي في أرض اللغة ومستقبل الإنسان. لا تليق بالشاعر سوى صفة عامل المياومة، وهو لا يتذمر ليقينه بأنه وارث الأرض مع بقية معذَّبيها.

وفي حين يدور المخرج السينمائي العربي، شاباً وشيخاً، في متاهة مثلثها المنتج والمموِّل والمهرجان، الأجنبي غالباً؛ يكتب السيناريو بلغة أجنبية ليتمكن من "بيعه"؛ يحوّل سرديته إلى مادة يمكن التفاوض بشأنها، يروي نصفها كي يظلّ في "اللائق"، ويركض في الفضاء الافتراضي أكثر مما يركض على الأرض.

قرب هذه الملهاة، يتكئ الشاعر- "المنسي" و"المهمل" - على حرية لا يعرف غالباً قيمتها.

المساهمون