لا يزال نشر النصوص المسرحية في كتب مستقلّة أمراً غير دارج في الثقافة العربية، وإن كانت السنوات الأخيرة قد شهدت تطوّراً نسبياً في هذا الاتجاه خصوصاً في المغرب وتونس. من آخر هذه الأعمال "أهازيج إبراهيم الحموي" للكاتبة والناقدة المسرحية المغربية الزهرة إبراهيم، والتي اختارت أن تنشره على نفقتها دون المرور عبر دور النشر، وهو خيار يطرح أكثر من سؤال.
عن مسرحيتها، تقول إبراهيم في حديث إلى "العربي الجديد": "هذا النص الدرامي عودة إلى سفينة التاريخ العربي لفحص ثقوبها ووضع اليد على مسارب الماء التي تمعن في إغراق الإنسان العربي. تاريخ ينتج الهزائم بلا توقف، ويحنّ إلى مأساة بغداد ودمشق وغرناطة. هكذا شكّلتُ النص عبر ثلاثة مواويل وسبعة أنغام: نغم السؤال وهو عبارة عن استهلال؛ موال بغداد: نغم الشعر ونغم العزاء؛ موال غرناطة: نغم الغواية ونغم الجزر؛ موال دمشق: نغم أَزادي ونغم الخلود".
تضيف: "أهازيج إبراهيم الحموي هي الكتابة العزاء والكتابة البديل في واقع الاستسلام العربي. اجتمعت في هذا النص مناحة لم يخفت بعد نشيجها... سال الحبر بعد أن دُقَّت أصابع الكاريكاتيريست علي فرزات، وحين اقتلع النظام السوري حنجرة منشد الثورة إبراهيم قاشوش وألقوا جثّته في نهر العاصي... هل توجد همجية أكثر من هذا في حق الفن والفنانين، وهل يوجد سبب أكبر من هذا لامتطاء صهوة الكتابة الجامحة ضداً للكتابة المروَّضة؟".
وحول نشر الكتاب على نفقتها، تقول: "أعتبره فعلاً ثورياً، ومستوى من النضال المشروع والواجب حتى يحيا المسرح فينا ونحيا به. إنه محاولة لمجابهة الإقصاء، فعشق الكتابة والمسرح أكبر عندي وأفضل من عشق المبالغ المالية التي يقتضيها النشر على نفقة المؤلف".
تقرّ إبراهيم بأن نشر المؤلفات المسرحية في كتب يمثل تحدياً صعباً؛ حيث تشير إلى أن "أصحاب المكتبات غالباً ما يرفضون قبول نص مسرحي لعرضه في واجهاتهم، نفس الأمر يحصل للدواوين الشعرية، وذلك مرتبط بطبيعة الطلب داخل السوق الثقافية العربية، إضافة إلى تراجع القراءة وانسحابها إلى خلفية اهتمامات الجمهور المبهور بعوالم تكنولوجيا الإعلام والاتصال، في شقها الإشهاري الشرس وانتشار نوع من المعلومة التي تستهلك وقت الإنسان العربي من دون أن تسهم في بناء فكره".
تضيف: "رغم كلّ ذلك، يظل أملنا قوياً في وجود متلقّين ومهتمّين من داخل النخب، أو الطلبة الباحثين في تخصّصات المسرح. فمهما نأى الناشرون عن دعم ورعاية هذا النوع من الإبداع، فتحدّي الكتاب يظل قائماً، لأن المسرح نبض المجتمع ومرآته وخلاصه. وإيماننا برسالته النبيلة هو ما يُبقيه ويُبقينا مرابطين في خندق الكتابة الدرامية من أجل غد أفضل للمسرح في وطننا العربي".
من أعمال الزهرة إبراهيم الأخرى: "الأنثروبولوجيا والأنثروبولوجيا الثقافية: وجوه الجسد"، و"الإيروس والمقدّس"، و"مدونة القنص بالصقر"، و"المسرح ورهانات المدرسة"، كما ترجمت "معجم بورديو" وتصدر لها قريباً ترجمة "معجم يونغ".