"طي الذاكرة": كتابان لجرجي زيدان في مجلّد واحد

13 سبتمبر 2017
(جرجي زيدان)
+ الخط -

"من الغايات الثقافية التي انتدب المركز نفسه إلى تحقيقها، إعادة نشر الكتب العربية المهمة التي صدرت في سياق النهضة العربية وتحولاتها. وكثير من تلك الكتب شبه المنسية، والمفيدة في الوقت نفسه، تستحق إعادة نشرها مجدداً لأهميتها التاريخية والفكرية معاً"، تعبّر عن هذه الكلمات عن رؤية "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" التي تضمّنه بيانه في الإعلان عن صدور كتابين للكاتب اللبناني جرجي زيدان (1861 – 1914) في مجلد واحد ضمن سلسلة "طي الذاكرة".

الإصدار يحتوي كتابي "الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية" (1886)، و"تاريخ اللغة العربية" الصادر (1922)، والأخير طُبع بعد رحيل صاحب "العرب قبل الإسلام" بثماني سنوات، وقدّم لهما الباحث اللبناني أنطوان أبو زيد.

يمثّل "اللغة والفلسفة اللغوية العربية"حصيلة بحث تحليلي لنشأة اللغة العربية وتكونها، باعتبار أنها اكتسابية خاضعة لناموس الارتقاء العام، متناولاً خمس قضايا ونتيجة؛ الأولى، أن الألفاظ المتقاربة لفظاً ومعنى هي تنوعات لفظ واحد، والثانية أن الألفاظ المانعة الدالة على معنى في غيرها (كحروف الجر والعطف وأحرف الزيادة ونحوها) إنما هي بقايا ألفاظ ذات معنى في نفسها، والثالثة فمحورها أن الألفاظ المانعة الدالة على معنى في نفسها يُرَدُّ معظمها بالاستقراء إلى أصول ثنائيةٍ أحاديةِ المقطع تحاكي أصواتًا طبيعية، والرابعة أن جميع الألفاظ المطلقة كالضمائر وأسماء الإشارة ونحوها قابلة الرد بالاستقراء إلى لفظ واحد أو بضعة ألفاظ، والخامسة في أن ما يستعمل للدلالة المعنوية من الألفاظ وُضِع أصلًا للدلالة الحسية، ثم حُمل على المجاز لتشابهٍ في الصور الذهنية. أما النتيجة فمفادها أن "لغتنا مؤلفة أصلاً من أصول قليلة أحادية المقطع، معظمها مأخوذ عن محاكاة الأصوات الخارجية، وبعضها عن الأصوات الطبيعية التي ينطق بها الإنسان غريزيًّاً.

أما في "تاريخ اللغة العربية"، فيتناول زيدان ألفاظ العربية وتراكيبها، بعد تمام تكونها، باحثاً في ما طرأ عليهما من تغيير، إذ يضمَ الكتاب تسعة فصول، حيث يستعرض زيدان في "العصر الجاهلي" تاريخ اللغة من أَقدم أَزمانها حتى الإِسلام، وفي فصل "الألفاظ الإسلامية" يتناول "ما حدث في اللغة بعد الإِسلام من الأَلفاظ الإِسلامية مما اقتضاه الشرع والفقه والعلوم اللغوية ونحوها"، وفي "الألفاظ الإدارية"، يقول زيدان إنها تشمل ما دخل اللغة العربية من الأَلفاظ التي اقتضاها التمدن الإِسلامي عند إِنشاء دولة العرب، وهي إِما دخيلة، وإما مولَّدة، فيبحث في كيفية انتقال اللفظ من معنى إِلى آخر.

أما فصل "الألفاظ العلمية"، فيعاين زيدان أمثلة عن الألفاظ والتراكيب التي اقتضاها نقل العلم والفلسفة من اليونانية وغيرها إِلى اللغة العربية في العصر العباسي، و"الألفاظ العامة"، يدرج الألفاظ التي نتجت مما طرأ على الآداب الاجتماعية من التغيير، فضلًا عن التجارة والصناعة، عدا ما اقتبسه المسلمون من العادات الأجنبية، وما يتبع ذلك من أسماء الملبوسات، والأطعمة، والاحتفالات، وفي ""الألفاظ النّصرانية واليهودية"، يعرّف زيدان هذه الألفاظ بأنها "ما دخل اللغة العربية من الاصطلاحات الدينية لأهل الكتاب.

ويتطرّق في فصل "الألفاظ الدخيلة والمولّدة في عصر التدهور" إلى ما خالط اللغة من الألفاظ والتراكيب الأعجمية، بعد انقضاء دولة العرب، وإفضاء الملك إلى السلاطين والأُمراء من الفرس، والديلم، والترك، والأكراد، والجركس، في العراق، وفارس، والشام، ومصر وغيرها، وفي "النهضة العلمية الحديثة"، يوضح المؤلف ما حدث مما اقتضاه التمدن الحديث من تولد الأَلفاظ الجديدة، واقتباس الأَلفاظ الإِفرنجية للتعبير عمّا حدث من المعاني الجديدة في العلم، والصناعة، والتجارة، والإِدارة، ويذهب في "لغة الحكومة المصرية في دواوينها" إلى ألفاظ وتعبيرات لا مثيل لها في اللغة الفصحى، "وفيها ما لا يمكن تطبيقه على قاعدة، ولا الرجوع به إلى قياس..

المساهمون