بعدما شهدته البلاد خلال السنوات التسع الماضية من قمع لانتفاضتها الشعبية قاد إلى تدخّلات أجبنية واقتتال داخلي، يقارب الباحثون عدّة لحظات مفصلية في تاريخ سورية المعاصر في محاولة لتتبّع بناء الهوية والدولة الوطنية بدءاً بالمملكة العربية السورية عام 1918، ومروراً بجلاء الاحتلال الفرنسي عام 1946، ووصولاً إلى قدوم حزب "البعث" إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية.
"سورية الدولة والهوية: قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري (1946-1963)"، عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للباحثة الاجتماعية السورية خلود الزغيّر.
تقدم المؤلِّفة قراءة في طروحات ومفاهيم مركزية التي قام عليها النقاش، مثل: "الأمّة"، و"القومية"، و"الدولة الوطنية"، داخل خطاب الأحزاب السياسية السورية التي تصدرت المشهد السياسي بعد الاستقلال التام لسورية في عام 1946 حتى وصول اللجنة العسكرية لحزب البعث إلى السلطة في عام 1963، سواء الأحزاب التي وُجِدت في السلطة أو التي كانت في المعارضة، انطلاقًا من أن أيّ قراءة في سؤال الدولة والهوية اليوم تحتاج إلى فهم الإشكاليات والظروف والسياقات التي تشكلت ضمنها الدولة السورية وهويتها في المراحل السابقة، خصوصًا أن السؤال حول وجود هوية سياسية - اجتماعية لسورية أو هوية وطنية سورية جامعة أمرٌ لا يزال مطروحاً.
في الفصل الأول "الهوية السياسية والإشكالية الجغرافية والاجتماعية"، تطرح الزغير التحديات الداخلية التي رافقت نشوء الدولة السورية وأحزابها السياسية، وأبرزها الإشكالية الجغرافية المتمثلة في مسألة التناقض بين جغرافية الكيان السوري الناشئ في مطلع العشرينيات والانتماء السياسي إليه، والإشكالية الاجتماعية المتعلقة ببنية المجتمع السوري من حيث طبقاته ونخبه السياسية، ودور المسألة الاجتماعية في تشكيل التوجهات السياسية لكل حزب.
أمّا في الفصل الثاني "التحديات الخارجية للكيان الوطني السوري"، فيعالج التحديات الخارجية للكيان الوطني السوري والإطار الإقليمي والدولي الذي نشأ فيه، وتفكك مفهوم الوطنية والانتماء الوطني الذي تشكل في ظل الموقف من الآخر الخارجي وبالتحدي معه.
تتناول المؤلّفة في الفصل الثالث "المؤسسة السياسية والمؤسسات المحلية التقليدية" بنية مؤسسة الدولة، وإلى أي درجة شكّل المجتمع السياسي السوري ومؤسساته دولة وطنية حديثة، وأثر الانتماءات فوق الوطنية أو تحت الوطنية في مؤسسات سياسية (كالأحزاب والبرلمان مثلًا).
تنتقل الزغير في الفصل الرابع "أثر الفكر القومي الغربي في التنظير لمفهوم الأمة"، إلى دراسة النظريتين الفرنسية والألمانية، في الأحزاب القومية التي بدأت تُنظّر لمفهومَي "الأمة" و"القومية" اللذين طغيا على مفهوم "الوطنية".
ثمّ تناقش المؤلفة في الفصل الخامس "بين الوطنية السورية والقومية العربية" الازدواجية أو التأرجح بين مفهومي الوطنية السورية والقومية العربية في خطاب الأحزاب السياسية السورية، وإلى أي درجة يعكس هذا التأرجح إشكالية عدم التوافق حول تعريف الكيان السوري كدولة – أمة، أو كقطر ينتمي إلى أمة أوسع، إضافةً إلى الدور الذي تؤديه الظروف المحيطة وشبكة المصالح في تبدل استخدام هذين المفهومين.
في الفصل السادس "الأمة واللغة"، تدرس الزغير كيف أدت اللغة العربية دوراً مركزياً في تشكيل الهوية العربية في العصر الحديث، ذلك أنّ التيارات القومية العربية بَنَت تصورها للأمة على أساس اللغة، معتبرةً إياها المحدد الأساسي والأول لكيان الأمة؛ بناءً على أنّ وحدة اللغة هي محدد وحدة الكيان القومي.
أمّا الفصل السابع، "الأمة والتاريخ"، فيلقي نظرة على موقع التاريخ في خطاب الأحزاب السياسية بشأن الأمة، ولا سيما على مستوى الوظيفة، وعلى مستوى الدور الذي أداه، بينما تبحث المؤلّفة في الفصل الثامن "الأمة - الاقتصاد – الطبقة"، الجدل بين اتجاه يرى أن الأمة العربية هي أمّة مُكوَّنة، واتجاه يرى أن الأمة ما زالت في طور التكوُّن وأنها تبقى كذلك حتى تتحقق وحدتها الاقتصادية.
في الفصل التاسع "الأمة والدين"، تخوض المؤلفة في الاختلاف الفكري الواضح بين الأحزاب السياسية السورية حول مسألة وحدة الأمة على أساس الدين، وحول علاقة الدين بالدولة والسياسة.