سيلا بنحبيب.. عن أوروبا ومهاجريها

06 يوليو 2016
تنصيب لـ JR في مستشفى للمهاجرين في نيويورك
+ الخط -

قلّة هم المفكّرون الذين يمتلكون تلك النظرة الثاقبة إلى العصر وقضاياه، وقليل منهم يمتلك شجاعة فضح انحرافات النظام العالمي، ومن هذا القليل، المفكّرة الأميركية التركية سيلا بنحبيب.

قد يكون للأمر علاقة أيضاً بسيرة أستاذة الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة "يال"، المولودة في أسطنبول لأسرة يهودية عام 1950، والتي ما برحت تتحدث عن أصولها الأندلسية، وعن أجدادها الذين طُردوا من الأندلس.

إنها تتحدّث انطلاقاً من تاريخ سيطبع المنطقة المتوسطية حتى اليوم، وهو تاريخ صراع بين نموذجين مختلفين، لا يرتبطان بالضرورة، بجغرافية سياسية محددة، نموذج متعدّد الثقافات، وآخر، قومي وعنيف ومغلق.

ولا تخفي بنحبيب انتماءها إلى النموذج الأول، واستهزاءها غير ما مرة من دعاوى الوحدة القومية.

لكن صاحبة "السياسة في الأوقات العصيبة" ما برحت توجه سهام نقدها للديمقراطية الغربية، وهي لا تفعل ذلك، إلا لأنها ليست ديمقراطية بما فيه الكفاية، وتذكّر بما كتبه هبرماس عن الوجه المزدوج للديمقراطية الغربية.

فمن جهة تقوم هذه الدول على مبادئ حقوق الإنسان، ذات الصلاحية الكونية. ومن جهة أخرى تبقى حقوق الإنسان محصورة في قوميات أو سكان دول معينة. ويحدث عبر ذلك صراع بين الوعود الكونية للديمقراطية وواقع الحدود القومية.

ولربما في السياق نفسه يتوجّب فهم دعوتها إلى تجاوز نموذج الدولة القومية. فعلى الرغم من الإيجابيات التي حملتها هذه الدولة معها، ومنها لا ريب تطويرها لثقافة مدينية ولما عرف بدولة الرفاه في السياق الأوروبي، إلا أنها لم تعد تتماشى مع عصرنا، ولا ينطبق ذلك على أوروبا وحدها، بل هي تستشهد بواقع دول في "الشرق الأوسط"، مثل سورية والعراق وتركيا، وفي هذا السياق ترى مؤلفة "موضعة الذات" ضرورة تبنّي نظام فيدرالي، كذلك الذي يسود في دول مثل كندا والهند مثلاً.

ولا شك في أن النظام الفيدرالي هو نظام ثقافي متعدّد، ويقف على النقيض من دعاوى اليمين الشعبوي في أوروبا، مثل ذلك الذي يمثّله فيكتور أوربان في هنغاريا، والذي تعتبر بنحبيب تصريحاته بشأن ضرورة الدفاع عن الثقافة المسيحية لبلده وغلق أبوابها أمام المهاجرين بـ"التصريحات الحقيرة".

وتعتبر أن كل الثقافات تتضمن بداخلها عناصر الاختلاف والتعدد، ومنها الثقافة الهنغارية، وأن "أوربان يميني شعبوي، ولهذا يقدّم الأمة كوحدة أسطورية. لكن مثل هذه الأمم لا توجد. فمن دون الآخرين، تعتبر الثقافة، أية ثقافة، مجرّدة من الحياة وغير مثيرة للاهتمام. فالعظمة الثقافية والتعدد الثقافي، أمران لا ينفصمان".

وحتى في ما يتعلق بقضية ارتداء الحجاب في أوروبا، فإن صاحبة "مزاعم الثقافة" تنتقد سياسة الحظر، التي تنهجها حكومات معينة، وترى أن الحجاب يدخل في باب حرية التدين، معتبرة في السياق نفسه أن "الحجاب لعب دوراً تحريرياً، لقد سمح لنساء في مقتبل العمر بالذهاب إلى المدرسة وإلى العمل والمشاركة في الحياة العامة".

إن العالم يمرّ بمرحلة تاريخية جديدة. هذا ما تعتقده بنحبيب. لكن ما نتمناه ألا تكون المجتمعات العربية وقود هذه المرحلة، خصوصاً ونحن نرى انتشار الطائفية ورفض التعدّد المجتمعي، وما يرافق ذلك من تهجير وحروب.

وقد يكون في أفكار مثل الفيدرالية والإيمان بالتعدد الثقافي سبيلاً للخروج من هذا المأزق الحضاري، الذي يمر به العالم العربي خصوصاً، لكن ذلك يتطلب بلا ريب، تجاوزاً للسرديتين الدينية والقومية، ومراجعة جذرية للعلاقات الاقتصادية والسياسية التي تحكم وتتحكم اليوم بأوطاننا.

إن تباشير مثل هذه المراجعة، بدأت تلوح في الأفق، لكنها لا يجب أن تكون مهمة الحكام فقط!

دلالات
المساهمون