عيسى سام وحوار مفتوح مع الطيور والأشجار

21 فبراير 2019
فوتوغرافيا لـ عيسى سام (وسط الصورة)
+ الخط -

في متحف "محطة هامبورغر" في برلين يتواصل عرض أعمال عدد من الفنانين من مختلف الجنسيات بتركيبات متنوعة فيما يشبه ورشة عمل بوسائط فنية متعددة. عنوان هذا المعرض غريب على الأذن الغربية، وأي أذن خارج القارة الأفريقية، كما هي غريبة الفكرة التي يقترحها الفنان والمفكر السنغالي متعدد المواهب والمشاغل، عيسى سام.

عنوان المعرض الذي سيستمر حتى 12 أيّار/مايو القادم على الشكل التالي: "كيف هو الحديث مع الطيور والأشجار والمحار والأفاعي والثيران والأسود؟"، لتتقدم العرض بعد ذلك لائحة أسئلة أعدّها الفنان السنغالي تقول: "هل يمكن أن تغنّي محارة؟ هل يمكن للكائن الإنساني أن يكون أفعى؟ أيمكن أن تكون الشجرة أمّاً وأباً لي؟ هل يمكن الحديث مع النهر؟ هل يمكن لدجاجة أن تساعدني في التواصل مع أسلافي؟ هل يمكن لشجرة تفاحي أن تطلب معونتي؟ هل يمكن لحيوانات الغابات أن تبيّن لي كيف أبقى على قيد الحياة؟ هل يمكنني الإصغاء لأصوات الحشرات في الأرض المحروثة وأنا في قلب المدينة؟

بوحي من هذه التساؤلات، أجرت الفنانة الألمانية انتشا مايفسكي حواراً مفتوحاً مع زملاء لها من البرازيل والكاميرون والصين وكولومبيا وفرنسا وهنغاريا وبولندا والسنغال، ودعتهم إلى تقديم أعمال تستكشف العلاقات المتبادلة بين الكائنات الإنسانية وما هو أبعد منها، أي كائنات الطبيعة الحية وغير الحية، بطريقة شعرية. وجاء معرض المحطة كحصيلة لهذا الحوار بين الفنانين وتفاعلهم مع آخرين.

أوحى بالمشروع وعنوانه، حديث جرى بين هذه الفنانة والفنان النحات والفيلسوف والمسرحي والشاعر عيسى سام تحت الأشجار في باحة منزله في داكار، والأمر المؤسف كما تقول الآن وبعد إقامة المعرض، أن الفنان رحل عن عالمنا في نيسان/ أبريل من العام 2017، وقُطعت أشجار باحة منزله بعد ذلك الحديث الذي أطلق ما يشبه الورشة المترحلة، وكان بذلك بداية لقاءات ورحلات وحوارات بينها وبين من دعت من فنانين.

أخذ العنوان الفنانين إلى تفاعلات مع أماكن ومجتمعات وبيئات تتعرّض للخطر. لهذا نجد أن غالبية الأعمال المعروضة تركز على أماكن معينة تم تدميرها أو إحلال غيرها محلها، أو تعرّضها عدوانية الرأسمالية والاستعمار إلى أخطار جدية، بالإضافة إلى تأثير أفعال بشرية متعمدة.

وتتناول المعروضات المكوّنة من تركيبات متنوّعة واسعة النطاق وأفلام فيديو ومنحوتات وبيانات وقصائد وصور فوتوغرافية ورسوم ولوحات تشكيلية، نظماً اجتماعية/بيئية مرهفة وبالغة الهشاشة تعتبر الكائنات الإنسانية دائماً جزءاً منها. ينطلق الفنانون في تناولهم ويتحدثون من منطلق مواقف شخصية منشقة ترفض الأساليب المسيطرة اليوم في التفاعل مع البيئة. وتأخذ بمواقف تتنوّع بين المساواة بين الجنسين أو تصفية الاستعمار أو اقتراح طرق جذرية غير رأسمالية للتفاعل مع الكائنات الإنسانية والكائنات الحية الأخرى والمادة.

ويثير التشديد على "الكلام" و"الحديث" في سياق هذه المعروضات، وفي الدافع إلى ابتكارها، أسئلة مثل سؤال: كيف يولد المعنى وينقل.. ولمن؟. مفهوم "المعنى" في الثقافة الغربية وعلومها يبدو ذا علاقة بالإنسان على وجه الخصوص، طالما أن كل أنماط التواصل السيميائية، سواء كانت كلمات أو إشارات أو صوراً أو علامات من أي نوع، تفترض مقدماً وجود عقلية إنسانية. ولكن على الرغم من هذا، فإن اللغة ليست سوى نمط واحد من أنماط التعبير ضمن إشارات سيميائية كوكبية هي شأنها شأن الأفعال الأخرى ذات المعنى، متجذرة في البيئة، وكل كائناتها تعتمد عليها في التواصل.

ويتطلب الحديث مع الطيور والأشجار والأسماك والمحار والأفاعي والثيران والأسود، انتباهاً حاداً إلى مختلف الأصوات، والانفتاح على أصوات اللغات التي قد لا نفهمها. وتفعيل مثل هذا التواصل يعني تعليق قواعد النحو والنظم الأسلوبية، والإصغاء إلى الغمغمات والذبذبات والتكرارات والوقفات.

وتخلّص الفنانة انتشا مايفسكي إلى تبني ما قاله عيسى سام: "نحن بحاجة إلى أن نتعلم كيف نصغي ونستجيب للكائنات الأخرى بتعاطف وحب ويقظة".

دلالات
المساهمون