كتب الكربون: ترجمات الآخرين باسم عادل صالح

20 فبراير 2018
("كتب الكربون" المنتحلة، تصوير: العربي الجديد)
+ الخط -
في إحدى مكتبات "شارع الاستقلال"، على بعد أمتارٍ من "ساحة تقسيم" الأشهر في إسطنبول، وبينما كنتُ أبحث عن قاموس تركي-عربي، عثرتُ على طبعةٍ أنيقةٍ لسلسلةٍ من الروايات العالمية المترجَمة إلى اللغة العربية.

غالباً ما تقتصر الإصدارات الموجّهة إلى القارئ باللغة العربية، والتي تُعرَض للبيع في مكتبات "تقسيم"، على القواميس وكتب تعليم اللغات، بالنظر إلى الطبيعة السياحية للمنطقة. أمّا الكتب الفكرية والأدبية بالعربية فمكانها في المكتبات العربية التي توجد معظمها في منطقة "الفاتح"؛ حيثُ يُقيم ويعمل أكبر عددٍ من أبناء الجالية العربية في المدينة.

هكذا، سيكون لافتاً وجود سلسلةٍ كاملةٍ من الأعمال المترجَمة إلى العربية في مكتبةٍ في هذا المكان. واللافت أكثر هو أنها صادرةٌ عن دار نشرٍ تركية.

تضمُّ السلسلة، التي صدرت عن دار تُسمّى "كتب الكربون"، خمسةً وعشرين كتاباً من كلاسيكيات الأدب العالمي، نُقلت إلى العربية بصياغةٍ تُناسب القرّاء الأصغر سنّاً؛ حيثُ جاءت بلغة بسيطة، وحجمٍ صغير يختصر الأعمال الأصلية. فروايةٌ مثل "موبي ديك" لـ هرمان ملفل التي صدرت بالعربية بترجمة إحسان عبّاس في قرابة 700 صفحة، لا تتجاوز في طبعتها هذه ثمانين صفحة.

الغريب أن العناوين نفسها سبق أن صدرت عن "مؤسّسة هنداوي للنشر" في مصر، ضمن سلسلةٍ بعنوان "الأدب العالمي للناشئين"، وجميعها متوفّر بنسخ إلكترونية على موقع المؤسّسة على الإنترنت.

يُثير ذلك تساؤلاً عمّ إذا كان تطابُق جميع العناوين في سلسلة واحدة صدرت في بلدَين محض مصادفة، أم أنه شكلٌ من أشكال التعاون بين دارَي النشر في مصر وتركيا؟ وللعثور على إجابة، كان علينا إجراء مقارنةٍ بين الطبعتَين. وهنا، سيُضاف احتمال ثالث يتعلّق بفرضية وجود "سرقة أدبية"؛ فالترجمات تتطابق بشكل حرفي في جميع الكتب، غير أنها تحمل توقيع مترجمٍ واحد في طبعتها التركية، بينما تحمل كتبُ الطبعة المصرية أسماء مترجِمِين مختلفِين.

في طبعة "هنداوي"، صدرت "موبي ديك" لـ ملفل و"بيتر بان" لـ جي إم باري و"مغامرات هاكلبيري" لـ فين مارك توين و"رحلات الدكتور دوليتل" لـ هيو لوفتينج بترجمة كوثر محمود محمد، و"مغامرات توم سُويَر" لـ مارك توين و"فرانكنشتاين لـ ماري شيل و"قصّة الملك آرثر وفرسانه" لـ هاورد بيل و"عائلة روبنسون السويسرية" لـ يوهان ديفيد و"الدكتور جيكل والسيد هايد" لـ روبرت لويس ستيفنسون و"جزيرة الكنز" لـ روبرت لويس ستيفنسون بترجمة فايقة جرجس حنا، و"أحدب نوتردام" لـ فيكتور هوغو و"مغامرات شيرلوك هولمز" لـ آرثر كونان دويل و"الأمير والفقير" لـ مارك توين و"ألف ليلة وليلة" بترجمة أميرة علي عبد الصادق، و"آخر رجال الموهيكان" لـ جيمس فينيمور كوبر و"نساء صغيرات" لـ لويزا ماي ألكوت و"عشرون ألف فرسخ تحت الماء" لـ جول فيرن بترجمة مروة عبد الفتاح شحاتة، و"أبيض الناب" لـ جاك لندن بترجمة محمد رمضان داود، و"هايدي" لـ يوهانا شبيري" بترجمة ندى أحمد قاسم، و"حول العالم في ثمانين يوماً" لـ جول فيرن بترجمة رضوى محسن، و"روبنسون كروزو" لـ دانيال ديفو بترجمة مروة ماهر، و"دراكولا" لـ برام ستوكر بترجمة إنجي بنداري أحمد، وحملت ترجمة "مغامرات روبين هود" لـ هاورد بيل توقيعاً مشترَكاً لكلّ من فايقة جرجس حنا وكوثر محمود محمد.

أمّا في طبعة "كتب الكربون"، فلن نجد سوى اسم واحد؛ هو: "عادل صالح". إنه المترجِم المفترَض لخمسة وعشرين عملاً أدبياً كُتبت في الأصل بلغات مختلفة. نبحث عن الاسم في الشبكة العنكبوتية، فلا نعثُر على أيّة معلوماتٍ عنه. لكن البحث سيقودنا إلى مجموعةٍ أخرى من الكتب التي تحمل اسمه كمترجم، وجميعُها صدرت عن دار النشر نفسها.

يتجاوز عدد الأعمال الصادرة عن "كتب الكربون" بتوقيع "المترجِم عادل صالح" ستّين كتاباً؛ من بينها: "ترويض النمرة" و"حلم أغسطس" و"عطيل" و"تاجر البندقية" لشكسبير، و"حِكم النبي محمّد" لتولستوي، و"رسائل من أعماق الأرض" لدوستويفسكي، و"خواطر حمار" للكونتيسة دي سيجور، و"مريض الوهم" لـ موليير، و"زديج" لـ فولتير، و"جوامع الكلم" لـ غوستاف لوبون، و"ملك النور" لـ ميشيل زيفاكو، و"الأمير الصغير" لـ أنطوان دو سانت إكزوبري، و"السيد لـ بيار كورناي. والمفارقة أن معظم تلك الكتب تتطابق تماماً مع كتبٍ أصدرتها، أيضاً، "مؤسّسة هنداوي" بأسماء مترجِمِين مختلفِين.

في جميع تلك الإصدارات، يبدو أن الجهد الوحيد المبذول هو الجانب الطباعي؛ حيثُ جرى أخذ محتويات الأعمال بطريقة حَرفية، من دون أيّ اختلافٍ يُذكَر، وأُعيد نشرها في طبعةٍ أنيقة، وأُضيفت إليها كلماتٌ في الغلاف الأخير من كلّ كتابٍ للتعريف به، لكنّها جميعاً تضمّنت أخطاء لغوية فادحة، فيما يبدو أنه ترجمة مأخوذة عن محرّك البحث "غوغل".

وتضعُنا تلك المعطيات أمام فرضيّتين؛ الأولى، هي أن "عادل صالح" ليس سوى اسم وهمي تنسُب إليه الدار أعمالها التي أصدرتها بالعربية، ربّما تجنّباً لاعتراض المترجِمين الحقيقيّين أو مطالبتهم بحقوقهم الفكرية، والثاني، هو أن دار النشر نفسها قد تكون ضحيّة لجهة ما، استغلّت عدم اطلاعها الكافي على اللغة العربية وما يُنشر بها. وأيّاً كان، فمن الواضح أن الاهتمام بالقارئ العربي في تركيا في السنوات الأخيرة نجمت عنه بعض الآثار الجانبية السلبية، وتلك واحدة من مظاهرها.

وتُعرّف "هنداوي" نفسها بأنها "مؤسّسة غير ربحية، تهدف إلى نشر المعرفة والثقافة، وغرس حب القراءة بين المتحدّثين باللغة العربية". ومنذ تأسيسها سنة 2007 في القاهرة، أتاحت قرابة ألف كتابٍ على موقعها الإلكتروني بشكل مجّاني.

وحصلت المؤسّسة على حقوق نشر أعمال عددٍ من الكتّاب العرب والأجانب؛ من بينهم: آليس مونرو، وطه حسين، ونجيب محفوظ، وعباس محمود العقّاد، ونوال السعداوي. كما حصلت على حقوق نشر مائة كتاب من سلسلة "مقدمة قصيرة جدًّا" من "جامعة أكسفورد للصحافة" في بريطانيا.

راسلنا المؤسّسة للاستفسار عمَّا إذا كانت لديها علاقةٌ بالطبعة التركية من الكتب التي سبق أن نشرتها، فوصلنا ردّ منها يُفيد بأن ما حدث "ليس نتيجة لأحد أشكال التعاون المشترك، وإنما هو سرقة لحقوق المؤسّسة"، مضيفةً: "سيجري التواصل مع الدار التركية لاستيضاح الأمر".

المساهمون