هموم شعرية: مع رلى الجردي

30 ابريل 2020
(رلى الجردي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "كسرت وسائل التواصل قيودًا كثيرة فرضتها بعض النخب وهيمنت من خلالها على آليات النقد والنشر"، تقول الشاعرة اللبنانية في حديثها إلى "العربي الجديد".


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبرين نفسك شاعرة مقروءة؟

- قارئي وقارئتي ينتميان إلى عالم منفتح على تجارب ما بعد الحداثة والقضايا الإنسانيَّة الكبرى، عالم يربط بين عناصر الفن والموسيقى في اللُّغة، ويعكس التفاعل بين المخزونين الشعريين العربي والأميركي. يتفاعل القرَّاء مع قصائدي العربيَّة بشكل عميق، لكن خارج الأطر النقديَّة السائدة. أما قصائدي الإنكليزيَّة فتتلقَّفها بحماس بعض أهم المجلَّات الأدبيَّة. اختيرت واحدة منها، "أورَل" (شفهي)، لِلَّائحة القصيرة لجائزة ماغپي للشعر. وأبدى بعض الناشرين اهتمامًا بقصيدتي العربيَّة "كابلات محوريّة"، وترجمت إلى الإنكليزيَّة والصينيَّة في مجلَّة "لي فلير دي ليتر" (ورود الورق).


■ كيف هي علاقتك مع الناشر؟ هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلمين به لشعرك؟

- علاقتي مع ناشري شعري العربي هي علاقة تعاون واحترام، هدفها ضمان مستوى جيِّد من التنفيذ والدقَّة في الطباعة. إذا قارنتُ هذه التجربة بمثيلاتها في كندا وأميركا والصِّين أجد أنَّ الناشرين الذين تعاملت معهم هناك يمارسون العمل النقدي المتخصِّص. يسألونني عن نظرتي الفلسفيَّة والثيمات العامَّة لقصائدي وعلاقتها بتجاربي (مثل علاقة الجسد بالمكان، الهوس بالمدينة، التداخل بين الأنوثة والذكورة) ويعنَون بالنواحي الفنيَّة لها. أحلم أن أتعاون مع ناشر عربي يتعاطى مع المنجز الشعري بروح نقديَّة متطوِّرة، وبناشرة عربيَّة تستكشف مسارات القصيدة وخريطة إبداعاتها. هذا كفيلٌ بأن يخفِّف من وطأة العزلة التي تحيط بالشعراء العرب.


■ كيف تنظرين إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

- أشجِّع النشر في المجلَّات الثقافيَّة والجرائد والمواقع النوعيَّة كثيرًا. من خلال هذه الوسائل يصل الشعر إلى عدد كبير من القرَّاء والباحثين. لكنَّه لا يعوِّض العلاقة المباشرة التي تخلقها شفاهية الشعر ودور المتلقِّية والمتلقِّي في رسم علاقات ديناميكيَّة معه. حين يتفاعل الحضور مع قصيدة لي، تلعب الانفعالات وحركة الصوت والصمت دورًا خاصًّا في استيعاب القصيدة وهذا يختلف عن قراءتها مكتوبة. أنا بدوري أسبر أبعادًا إنسانيَّة جديدة. المشافهة الشعريَّة طقس إنساني وفنِّي فريد.


■ هل تنشرين شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف ترين تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

- كتابة الشعر حاجة ملحَّة وقاسية. لا هروب منها ولا راحة إلَّا فيها. لذلك فإنّني أكتب كي أكون. لكنَّني لا أكتب لنفسي فقط، وهنا تكمن أهميَّة وسائل التواصل الاجتماعي في دفعنا إلى الانفتاح على الآخرين وانفتاح الآخرين علينا. أنشر أحيانًا بضعة سطور شعريَّة، وأحيانًا أُرفق قصائد نشرت لي في كتاب أو مجلة. كسرت هذه الوسائل قيودًا كثيرة فرضتها بعض النخب وهيمنت من خلالها على آليات النقد والنشر وعضويَّة اللجان الشعريَّة. الكثير من الشاعرات والشعراء يشعرون حيال هذه الوسائل بالتفاؤل وأيضا بالمسؤوليَّة.


■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

- قرّاء الشعر العربي هم أبناء وبنات القرى والمدن التي بقيت على صلة حميمة بتراثها العربيّ المحليّ والوطنيّ أو المهجريّ، ولم تقصها العولمة ولا الغزو الثقافي الغربي عنها. فمن كانت تربته قاحلة لن يتذوَّق الشعر العربي ولن يقتفي أثره.


■ هل توافقين على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي؟ ولماذا؟

- نعم، والمعولم تحديدًا أكثر مقروئيّة من شعر ما بعد الحداثة العربي بالرُّغم من جماليّته. أضف إلى ذلك قصائد قليلة محدّدة لنخبة من شعراء الحداثة لاقت صدى جماهيريًّا واسعًا. يسود بين بنات وأبناء الجيل الفتي شعورٌ بسلاسة بعض القصائد المترجمة وسهولة سفرها عبر الحدود الجغرافيَّة على عكس العربيّة. وهذا انعكاس لضعف العلاقة بالتراث المحلِّي والوطني، والخوف من اللغة العربيَّة. أمَّا الشعر المترجم الذي يحمل سمات فكريّة وجماليّة عالية فقراءته ضروريَّة ومتمِّمة لقراءة الشعر العربي.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية؟ وما هي نقاط ضعفه؟

- من أهم مزاياه تنوُّع مصادر إيقاعه، من وزن إلى موسيقى داخلية، إلى صدى تخلقه مجموعة كلمات وباقة حروف، إلى سرديَّة كتلوين فوتوغرافي أو سينمائي متحرِّك داخل القصيدة. ربَّما كانت نقاط ضعف الشعر الحر وقصيدة النثر خاصَّةً تكمن في عدم انطلاقهما من تيَّار فلسفي- إيديولوجي - فنِّي شامل (غير مقلِّد للغرب)، باستطاعته أن يؤسس لآليَّة نقديَّة متطوِّرة تصحِّح المغالطات حول مفهوم الشعر.


■ شاعر عربي تعتقدين أن من المهم استعادته الآن؟

- شاعر وشاعرة. محمَّد الماغوط وناديا التويني. ما زلنا ننعم بإبداعاتهما الشعريَّة، تلك التي لا تخضع للسَّاعة ولا للسُّوق. رسمَتْ لغة الماغوط علاقاتٍ حميمة بالأمكنة وقصائد التويني تركت العاطفة بقسوتها ورقَّتها تعبث بالمكان.


■ ما الذي تتمنينه للشعر العربي؟

- أن يتخطَّى الخطاب النقدي المأزوم حول التجنيس الشعري ووضعيَّة قصيدة ما بعد الحداثة، وثنائيَّات الثبوت والتحوُّل، ليخلق آفاقًا أوسع ومرجعيَّات بديلة. غالبًا ما تتأخَّر البحوث الأكاديميَّة والمؤسَّسات النقديَّة في العالم عن معرفة القيمة الحقيقيَّة لأنماط الشعر المعاصر ومصادر جماليَّاته، على عكس صانعي الإبداع الذين هم أقل ارتباطًا بالسُّوق.


بطاقة

شاعرة وروائيّة لبنانيّة ولدت في فنزويلا عام 1964 ونشأت في لبنان، تعمل أستاذة للتّاريخ في جامعة ماكغيل وتقيم في مدينة مونتريال بكندا. صدر لها في الشعر "غلاف القلب" (دار نلسن، 2013) و"كليلى أو كالمدن الخمس" (دار الفارابي، 2016). وفي الرواية "الكثافة: قصة حرب لبنانية" (دار نلسن، 2007) و"في علبة الضَّوء" (دار الآداب، 2018). كما نشرتْ كتابين ومقالات أدبيّة حول الشِّعر والرّواية والتّاريخ.

المساهمون