الطنبورة: "صحبجية" الغناء الشعبي

17 ديسمبر 2014
+ الخط -

ربع قرن يمرّ على تأسيس فرقة "الطنبورة" البورسعيدية لموسيقى الفولكلور. فرقة وضعت لنفسها غاية جمع وإحياء أغاني التراث الساحلي، لا سيما أن كثيراً منه قد نُسي وهُجِر إثر عمليات النزوح التي شهدتها مدن قناة السويس بعد نكسة 1967.

يعتمد الفولكلور الغنائي الساحلي في الأساس على "أغاني الضمّة" الصوفية، التي يؤديها "الصحبجية" في الشوارع على آلات بسيطة مثل السمسمية التي ظهرت مع عبد الله كبربر عام 1938، ونشرها أولاً على مقاهي المدن الساحلية. فرضت هذه الآلة المستحدثة نفسها على طقوس "الضمّة"، لارتباط أغاني السمسمية بهموم الشارع أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وتسخير أغانيها للمقاومة الشعبية.

وبعد انتهاء سنوات الحرب وعودة النازحين إلى مدنهم، ومن بينهم زكريا إبراهيم، مؤسس فرقة "الطنبورة"، الذي عُرف بعد ذلك بـ"الرَّيس زكريا"، وجد هذا العازف البورسعيدي أن التغيرات التي نتجت عن تحويل "المدينة الباسلة" إلى "منطقة حرة" في منتصف السبعينيات لم تهدّد طبقات المجتمع البورسعيدي وحسب، بل الموروث الشعبي للمدينة أيضاً؛ إذ اختفت حلقات "الصحبجية" وأصبحت أغاني "السمسمية" تقدم بشكل تجاري بعيد عن روح التراث.

من هنا جاءت فكرة تأسيس الفرقة عام 1989، وكان أبرز أعضائها آنذاك، عازف السمسمية محمد الشناوي، وبعض "صحبجية الضمّة"، مثل الريس إمبابي وأحمد وليم والشيخ رجب. اهتم أعضاء الفرقة لخمسة أعوام بتجميع التراث الشفاهي، في ما يصل إلى 20 ساعة من التسجيلات. ثم شرعوا بتأديتها في بورسعيد أسبوعياً، إذ مزجوا بين أغاني "الضمّة" بصبغتها الصوفية، وبين أغاني السمسمية التي تتناول حياة البحر والصيادين، وتقاوم هموم الحياة اليومية برقصة "البمبوطية" الفولكلورية البحرية التي يتبادل فيها الراقصون والمغنون الأدوار.

اعتمدت فرقة "الطنبورة" آلة السمسمية بشكل أساسي، إلى جانب الصاجات والرق والطبول والمثلث، كما استخدمت بعد ذلك آلة الطنبورة، وهي آلة وترية حجمها أكبر قليلا من السمسمية، وتعود أصولها إلى السودان، وتتكون من خمسة أوتار، إلى جانب وتر إضافي يسمى الرَّداد. كانت هذه الآلة تستخدم في موسيقى "الزار"، وقام أعضاء الفرقة بتطويرها لتصبح "تشيلو - طنبورة"؛ لأنهم يرون أنها تعطي دفئاً موسيقياً يخفف من حدة السمسمية. وقد تمكن الموسيقي محسن العشري عازف السمسمية الأول بالفرقة من إيجاد طريقة للعزف على كل المقامات الموسيقية العربية على هذه الآلة.

انتقلت فرقة "الطنبورة" في أوائل التسعينيات لتقدم أغانيها على مسارح القاهرة، قبل أن تبلغ مسارح العواصم العربية وتشارك في مهرجانات دولية، مثل مهرجان "أسبوع أنوار مصر" الذي يقيمه "معهد العالم العربي" في باريس، والذي أنتج لهم أسطوانة "سمسمية بورسعيد". وأثناء مشاركتهم في مهرجان "موسيقى الشتات" في لندن، قام منتج بريطاني بإنتاج ألبومي "الصحراء والبحر" و"أصحاب البمبوطية". أصدرت الفرقة بعد ذلك ألبومات "نوح الحمام" و"أهوى قمر" و"يناير 26".

لا تكمن أهمية فرقة "الطنبورة" في الحفاظ على الموروث الساحلي فقط، بل توسعت لتشمل الموروث الشعبي المصري بأكمله أيضاً، إذ أنشأ "الريس زكريا" مركز "المصطبة" للموسيقى الشعبية المصرية عام 2000، جمع فيه عدداً من الفرق الشعبية المختلفة، مثل "الجركن" للموسيقى البدوية، و"نوبانار" للموسيقى النوبية، و"دروايش أبو الغيط" للموسيقى الصوفية، و"مزامير النيل" للموسيقى الصعيدية. ويحسب لفرقة "الطنبورة" بعد مرور ربع قرن على انطلاقها، أنها ما زالت تحاول رد الاعتبار للموسيقى الشعبية، في ظل ما تعانيه الفرق المستقلة من تهميش من قبل المؤسسات الرسمية.

المساهمون