الحداثة والهوية: جبهتان في رأس واحد

09 ابريل 2016
عمل لـ حسن حجاج/ المغرب
+ الخط -

لطالما بدا المغرب متأرجحاً بين مشروعين مجتمعيين متعارضين، أو بين وضعيّتين رمزيّتين متنافستين؛ وبشكل أكثر تحديداً بين الانخراط التام في "المشروع الحداثي" أو الانكفاء على "تصوّرات ماضوية".

هذا التأرجح الذي يُدرَك على الصعيد المعرفي والإيديولوجي، كما يُعاش في الواقع العيني، يُستبطن في التمثّلات والممارسات العملية للأفراد والجماعات، وهو يندرج في سياقات اجتماعية واقتصادية وسياسية يغلب عليها التوتر.

في مجموع السجالات الدائرة اليوم في المغرب حول الشأن الديني، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة إرث المرأة ومناهج التربية الدينية والتاريخ في المدرسة المغربية، تتّضح معالم الاختلال والتوتّر بين الطرفين؛ الأول يقدّم نفسه كحداثي/ عقلاني يدافع عن التجديد، والثاني تقليداني يتحيّز للمنظومة الفقهية وحرْفية نصوصها.

لقد ظلت المواقف التقليدية "متوجّسة" من أية خطوة نقدية للتراث الفقهي، وتعلَّقت بمعنى واحد في فهمها للنص المؤسّس وتطبيقه حرفياً، فيما استعان التيار الحداثي بـ "جرأة" النقد الفلسفي بالخصوص للدعوة إلى قراءات متعدّدة لفهم النص، لتحقيق مهمّتين أساسيتين: تحرير الإنسان من الارتكان للتقليد والماضوية، وتنويره من خلال إرجاع الاعتبار للعقل.

هذه الوضعية المجتمعية تعكس ملامح الغموض والتردّد، بسبب عدم الحسم في المرجعيات الثقافية الكبرى الموجِّهة للفكر والعمل، وعلى رأسها مسألة "التقليد" و"الحداثة". إنهما جبهتان تحاول كل واحدة أن تثبت باستمرار خصوصياتها وأهليتها لقيادة المجتمع، منذ ستينيات القرن الماضي، عن طريق مقارنة تصوُّر الطرف المنافس في صورة النقيض المطلق.

هنا، يتم التنكّر لمشترك ضخم، والذي يتجسّد في ابتكار أنماط جديدة للحياة بفعل التحوُّل. وهذا الإنكار كما يرى الأنثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي، يتم برفع الحداثة عن التيار التقليدي/ السلفي (أو كما يسمّيهم بالدعويين)، ورفع الأصالة عن الحداثيين، والتي تخفي العمق الديني والثقافي في حياة الحداثيين، وعمق التحوُّل في حياة التقليدانيين.

لذلك يدعو حمودي، في كتابه "الحداثة والهوية"، إلى الاعتراف بالمشترك الضخم لإنتاج المعرفة العملية والمواقف الحاسمة، واعتمادها كأساس لإعادة النظر في القيم وفي الأحكام الشرعية، وذلك من موقع عملي وراهن متحرِّر من ثنائيات الحداثة والتقليد.

تفرض مكوّنات المشترك المتعدّدة علينا مجهود التأويل بمراعاة ثلاثة عوامل: الأول يتحدَّد في مستجدَّات البيئة الجديدة والمتجدِّدة دوماً، والثاني في التراكم المتنامي للحلول العملية التي ينتجها الفاعلون؛ سواء اعتبروا أنفسهم حداثيين أو تقليدانيين، والعامل الثالث هو المنهج؛ هذا الذي يستند أولاً إلى ما يُمليه منطق الظرفيات المقارن.

وبما أن الهدف هو إنتاج حلول عملية تخدم المصلحة العامة، فإن المنهج لا يستقيم إلا على أساسين؛ مبدأ المساواة في إبداء الآراء واحترامها، والحرية في البحث والتصريح بالرأي بلا وصاية ولا إكراه.

المساهمون