جورج طرابيشي.. تأخرت عن العشاء

18 مارس 2016
فاتح المدرس/ سورية
+ الخط -

سمعتُ الواقعَة الشخصية الآتية عن جورج طرابيشي، من أكثر من مصدر؛ إذ تعرّض الباحث والكاتب السوري إلى السجن بعد انقلاب شباط 1966 في سورية، بسبب الصراعات داخل "حزب البعث".

بقي طرابيشي في السجن لأشهر، ولمّا خرج، ذهب فوراً إلى بيت المسرحي السوري الراحل، سعد الله ونوس. في تلك الليلة، كان أهل البيت ملتفّين حول مائدة العشاء، في انتظار خروجه من غرفته، للاحتفال بخروجه سالماً.

تأخّر طرابيشي في الانضمام إليهم. قلق أهل البيت عليه، فدخلوا إلى غرفته يسألونه عن سبب التأخّر، وللاطمئنان عليه، فوجوده منهمكاً في ترجمة نصّ من الفرنسية، كان قد بدأ بترجمته في السجن، وكان مستعجلاً إنهاءه.

قبل حوالي شهر من الآن، أرسلتُ رسالة مطوّلة إلى جورج طرابيشي، أحاول فيها إقناعه بإجراء حوار صحافي مطوّل. كتبتُ له، بأنّه من حقّنا أن نعرف رأي من ألّف قرابة ثلاثين كتاباً بين التراث والقضايا الفكرية المعاصرة والنقد الأدبي، وترجم عشرات الكتاب إلى اللغة العربية، وساهم في تثقيف عدد لا بأس به من الشباب المتأثّرين به، في ما جرى، ويجري في المنطقة منذ انطلاق حركات التغيير السياسية الاجتماعية، قبل خمس سنوات.

ردّ بعد أيام، بدفئه المعهود، ودماثته المعروفة، بأنّه مُتعَب ولا يستطيع الكلام والتفكير، وبأن الحريق المنتشر في المشرق العربي أكبر من قدرته على الكلام.

لطرابيشي فضلٌ لا يمكن إنكاره على المكتبة العربيّة، من ترجمة فرويد وسارتر وهيغل إلى ترجمات أدبية متنوعة، إلى أطروحاته الشهيرة في تحسين العلاقة مع التراث العربي والإسلامي، إلى سجاله المطوّل مع أفكار محمد العابد الجابري، إلى استخدامه مدرسة التحليل النفسي كأداة ومدخل إلى فهم الخطاب السياسي العربي، خصوصاً في كتابه الشهير "المرض بالغرب، التحليل النفسي لعصاب جماعي".

رحل المثقف المتنسّك، والباحث الجدي، والقارئ الموسوعي. رحل طرابيشي، ولكن، من يستطيع أن يقول إن اسمه سيغيب.



اقرأ أيضاً: أشكال الصمت 

المساهمون