لن يجده زائر مقهى "البستان" أو "قعدة الجمعة" جالساً، بعد اليوم، على إحدى الطاولات كعادته، يرصد الناس أو يقرأ أو يتحدث، فقد رحل صباح اليوم ابن وسط البلد وكاتبها الروائي المصري مكاوي سعيد (1956-2017)، أحد أبرز كتّاب جيله في مصر، تاركاً خلفه عدة روايات ومجموعات قصصية.
بدأ سعيد تجربته الأدبية كاتباً للشعر، حيث لقبه أصدقاؤه في جامعة القاهرة خلال سنوات الدراسة بشاعر الجامعة، وكان متأثراً بصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي.
لكنه سرعان ما تحوّل إلى كتابة القصة القصيرة، بمناخات قورنت وقتها بعوالم يوسف إدريس، وكان أول من شجعه ودفعه إلى كتابة المزيد من القصص ونشرها القاص المصري الراحل يحيى الطاهر عبد الله، الذي شكّل رحيله صدمة كبيرة لسعيد انقطع على إثرها عن الوسط الأدبي، إلى أن أصدر مجموعة "الركض وراء الضوء".
كانت "فئران السفينة" أول أعمال سعيد الروائية، وله أيضاً "تغريدة البجعة" التي رشحت لـ"جائزة الرواية العربية/ بوكر" عام 2008، وآخر رواياته "أن تحبّك جيهان" وهي عمل ضخم تجاوزت صفحاته الـ700، وتدور أحداثها في عام 2010 وتنتهي بموقعة الجمل في 2011، يرصد فيها الكاتب القاهرة قبل الثورة بعام، حيث بدأت إرهاصات الاحتجاجات بالظهور.
ألّف مكاوي أيضاً كتباً نثرية، منها "مقتنيات وسط البلد" وهو عمل عن شخصيات من هذه المنطقة في القاهرة وتاريخ المقاهي فيها. كما وضع الراحل كتاباً بعنوان "كرّاسة التحرير"، الذي كتب فيه كل ملاحظاته عما حدث في ثورة 25 يناير، حيث كان يحمل كرّاسة ويتجول في "ميدان التحرير" راصداً مشاهداته.
جمع سعيد القصص الصغيرة في الميدان التي لم يكترث لها من كتبوا عن الأحداث أدبياً أو توثيقياً، وصف أشكال الناس وحالتهم وأغانيهم ولم يقدم فيه إلا "أولاد الشوراع الذين استشهدوا دون أن يُلتفت إليهم، المصابون والمهمشون الذي حركوا الشارع، الحقيقيون الذين لم يكسبوا من الثورة وجرحوا منها، وبعد أن انتهت الأحداث تواروا واختفوا وكان لهم دور كبير في الثورة"، يقول سعيد في إحدى مقابلاته التلفزيونية.
كثيراً ما وصف مكاوي سعيد بأنه كاتب يجيد الإصغاء، يتحدث إلى كل الناس ويسمع حكاياتهم، ويهتم بتفاصيلهم التي تتحول إلى جزء من الكتابة لديه.