دراسات التابع ومنهجيات التأريخ البديلة

11 اغسطس 2017
("حقول القتل" سريلانكا 1818، لـ براسانّا ويراكّودي)
+ الخط -

تضمّن العدد السادس من مجلة "أسطور" العلمية المحكّمة، الصادرة حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ترجمة لواحدة من مقالات "دراسات التابع"، جاءت معنونة: "نثر مكافحة التمرد" للباحث الهندي راناجيت غُها (ترجمة ثائر ديب)، والتي يحاول فيها المساهمة في "تحليل التأريخ الذي تناول حركات التمرد الفلاحية في الهند المستعمرة".

ويآخذ غُها على دارسي هذه الحركات، إغفالهم وجود (أو حتى إمكانية وجود) وعي خاص بـالفلاحين، ولجوئهم إلى وسم الحركات بالعفوية ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. ويعيد الباحث الهندي سبب ذلك إلى ذاتية المؤرخين، الذين يحاولون إسقاط تكويناتهم الذهنية، على المواضيع التي يدرسونها، وعملية التوثيق والتأريخ التي يقومون بها.

وهو بكشفه لهذه النقائص، يدعو إلى إيجاد منهجية جديدة في التأريخ (وهو بذلك يهيئ أرضيتها)، يكون هدفها الأساسي إعادة الاعتبار لوعي التابع (الفلاح المتمرد في هذه الحالة)، تاركة مساحة لثقافته وتديّنه، ومفسحة مجالاً له لكي يتكلم.

والدراسة المترجمة هذه، كانت قد صدرت في نسختها الإنكليزية الأصلية سنة 1994، وتعتبر جزءاً من تراكم معرفي شهد بداياته سنة 1982 في شكل سلسلة تضمنّت نقاشات متعلّقة بكتابة التاريخ الهندي الحديث، وضّمت بالإضافة إلى غُها مداخلات عدد من مفكّري وباحثي شبه القارة الهندية من بينهم: ديبيش شاكرابارتي، وبارتا شاترجي، وغايارتي سبيفاك وغيرهم.

"دراسات التابع" ستصبح بعد تراكم معرفي، حقلاً فرعياً يسير على تخوم التاريخ والدراسات الثقافية ودراسات ما بعد الاستعمار. ويمكن تلخيص فكرة الحقل في كونه يركّز على "التابع": المهمّش، الذي تمّ إسكاته أو كتم صوته في التاريخ والحاضر.

وقد بدأ هذا الحقل مُركّزاً على كتابة التاريخ الهندي، لكنّه اليوم تعداه مكانياً وزمانياً، بحيث أصبح منهجاً للتأريخ في كثير من المناطق الأخرى، انتقل إلى أفريقيا مع فريديرك كوبر، وإلى أميركا اللاتينية مع فلورنسيا مالون على سبيل المثال لا الحصر.

عربياً، تعرّف القارئ العربي على هذا الحقل الفرعي، عبر ترجمات قليلة، ككتابي "موقع الثقافة" لهومي بابا سنة 2004، و"مواطن الحداثة: مقالات في صحوة دراسات التابع" لشاكرابارتي سنة 2011، وبعض المقالات التعريفية هنا وهناك.

هذا الحقل المعرفي الفرعي يساعد في تكوين صورة عن تجربة ناجحة، في قلب موازين القراءة التقليدية للتاريخ، التي نحتاجها عربياً، كما أنه وفي الوقت نفسه، يقدّم فرصة قابلة للمحاكاة، وأطراً بديلة بعيدة عن الهيمنة الأستاذية الغربية.

المساهمون