لأنّ بشاعتهم تصنع جمالي

09 ديسمبر 2014
(تصوير: جيل إيرمان)
+ الخط -

أرفعكَ بذراعيّ
للمرة الأخيرة
أضعك بعجلة في نعشك الرخيص
أربعة رجال يرفعونه على أكتافهم بعد تسميره
على وجهك الممتقِع، على أعضائك القلقة.
يهبطون الأدراج الضيّقة وهم يجدّفون.
وأنت تتحرّك في عالمك الضيّق
رأسك منفصل عن حنجرتك المقطوعة
إنها بداية الأبدية.


*


شعرها الأصهب له رائحة المحيط.
شمس الغروب تنعكس على الرمل الميت.
الليل يتمدد على سريرها الاحتفالي
بينما تستقبل المرأة اللاهثة المرتجفة
بين ساقيها المثنيتين
القبلات الأخيرة لشمسٍ تموت.


*


جسدكِ الصغير الهزيل بين شراشفه الناعمة
غرفتكِ الزهرية المتدثّرة بالصمت
عيناكِ اللتان تتدحرجان بين الأثاث الغني
تصطدمان في العتمة بجرذان ميتة على الوسائد
ونحن الذين ننتظر انتفاضتك الأخيرة
لتمزيق وصيتكِ.


*


امرأة واقفة في مشهدٍ عارٍ
الضوء الباهر على بطنها المنتفِخ
امرأة وحيدة امرأة غنية بلا عيب ولا صدر
امرأة تصرخ ازدراءها في أحلام بلا راحة
سيكون السرير جحيمها.


*


توفّيتِ منذ أمس يا أمي
حرّريني من عذاباتك
أنتِ متجمّدة من الفزع تحت قناعكِ الزجاجي
حرّريني من قبلاتكِ الأمومية
التي تزحف على جسدي الراكع
مثل بزّاقات
ساعديني يا أمي
لأن عينيّ تغوصان في مستنقع الرغبة
حرّريني من ظّلك الثقيل
مبيضي المليء بالرمل يختنق بين يديكِ
شبع الموت بطيء
حرّريني من غيابكِ
حرّريني من المطر.


*


انسَني
كي تتنشّق أمعائي الهواء العليل لغيابك
كي تتمكن ساقاي من السير دون أن تبحث عن ظلّك
كي يصير نظري رؤيا
كي تستعيد حياتي أنفاسها
انسَني يا إلهي كي أتذكّر.


*


فتحتُ رأسك
كي أقرأ أفكارك
قضمتُ عينيك
كي أتذوّق رؤيتك
شربتُ دمك
كي أعرف رغبتك
وجعلتُ جسدك المرتعش
طعامي.


*


تلقَّ صلواتي.
تلقّف أفكاري الملوّثة.
نقّيني كي تنفتح عيناي
كي ترى ابتسامة القتلة الداخلية.
وما أن أصير نقيّة
يا يهوذا اصلبني.


*


ادعيني لتمضية الليل في فمك
قصّ عليّ فتوة الأنهار
اضغط لساني على عينك الزجاجية
اعطني ساقك كمرضّعة
ثم فلنَنَم، يا شقيق شقيقي،
لأن قبلاتنا تموت بسرعة أكبر من الليل.


*


ثمة دم على صفار البيضة
ثمة ماء على جرح القمر
ثمة مَنيّ على وزيم الوردة
ثمة إله في الكنيسة
يغنّي ويملّ.


*


كنتَ جالساً براحةٍ
على دبٍّ أسوَد
مزّقتَ أشلاء جلدٍ
بأصابعك المشعّة في وجه السماء المدمّاة
وبينما كنتَ تخلق عالماً جديداً
كان الثلج يتساقط.


*


مكايد يديك العمياء
على ثديي المرتعش
الحركات البطيئة للسانك المشلول
في أذنيّ المثيرتين للشفقة
كل جمالي الغارق في عينيك اللتين بلا بؤبؤ
الموت في بطنك الذي يأكل نخاعي
كل هذا يجعل مني آنسة غريبة.


*


النهار يموت معلّقاً على الجدار
وأنا في سريري
(لا تهتاج على كرسيك)
قدماي قطعتا ثلجٍ لا أحد يحطّمهما
ساقاي نسيتا قفزاتهما في المرج
فقط فمي ما زال يتألم ويرتعش.


*


سئمتُ الجرذان
التي تأكل الأجنّة والشمندر بجشع
سئمتُ الأطباق.
سئمتُ الأسماك ذوات الحسك الشرير
الذي يرقص في حنجرتي.
سئمتُ الفقراء
سئمتُ اللعنات
التي أسكبها على رؤوسهم
من دون أن أرحم القُرْع.
سئمتُ الجرائم
سئمتُ قبري
الذي ينتظرني في ظلّ الغد.
سئمتُ كل شيء
وقرفي مات من السأم.


*


فتح فمه الذي لا شفتين له
كي يحرّك لساناً ضامراً.
خبّأ عضوه المعطّر
بيدٍ مزرقّة من الموت والخجل
وبخطوة ثابتة لها وقْعُها
عبر رأسي باكياً.


*


بيضة على السقف
كانت تروي قصص حبّها
لثدي الليل، الناعم
والنتِن.
عينُ ثورٍ في ثقبٍ
كانت تقضي الشتاء مجهولة الهوية
بين الدبب.
وأنا، من دون صوفٍ ولا إبر، كنتُ أحوك
ثياب اللاواقع الداخلية
في انتظار المسيح.


*


في المخمل الأحمر لبطنك
في سواد صرخاتك السرّية
دخلتُ...
في الساتان الأحمر لموتك
في رواق عينيك المعتم
دخلتُ...
والأرض تتأرجح وهي تدور وهي تغنّي
ومن السعادة رأسي ينفكّ.


*


أنتِ فتاة عاقلة
في فستان من نسيجٍ قطني رقيق وحذاءٍ مدبَّب
أنتِ الصباح الثالث للشجرة المقطوعة
أنتِ رغبة وغضب
البزّاقة على الحصية
الرجل الوحيد على الشاطئ
الذبابة ذات الأرجل الملتصقة على رقعة
الجريمة
أنتِ الفتاة العاقلة التي تغنّي البذاءة
التي تطفئ القربان ببولها
وتمنح عذريتها مقدّمةً للصيف.


*


غنية تحت شَعري
أصلّي برصانة
أحلم
بشريطٍ عريض من ظل
يفصل
وجهك عن يقينه السيئ
يقع الحزن ببطء
رائحة عقب سيجارة
مبيضة كاسدة
تانغو
جثّتي ترتكز عاريةً
بلا قيود فائضة
ولا يأس عبثي
لا يمكن أن يكون حاجزٌ بين الثلج والليل.


*


امرأة جالسة أمام طاولة مكسورة
الموت في أحشائها
لا شيء في الخزانة
متعبة من كل شيء، حتى من ذكرياتها
تنتظر ونافذتها مفتوحة
نور الجنون
ذي الألف وجه.


*


سأصطاد روحك الفارغة
في نعشك حيث يتعفّن جسدك.
سأمسك بروحك الفارغة
سأقتلع جناحيها المرفرفين
أحلامها المتخثّرة
وأبتلعها.


*


قلبك المقطوع
رأسك الذي ينزف
مفصولاً عن جسدك
مكشّرَ الوجه وضريراً
عنقك الذي ينزف قطرات جنون
عيناك اللتان تذرفان دموع رغبة
وأنا التي تشرب
حياتك الراحلة.


*


عيوب الرجال
ميداني
جروحهم حَلوتي الفاخرة
أحبّ مضغ أفكارهم الدنيئة
لأن بشاعتهم تصنع جمالي.


*


الدخول المفاجئ للبربري
أستشعر موتي المقبل
هنا، على الكنبة التي تتناثر عليها حبوب الأدوية
بين الخشب الميت
ومائدة الحائط المغرورة بزخرفتها المذهّبة بإفراط
إبهامك سيعبر القشرة
سيحاصر الهاربَ في فروتها المعطّرة بالمِسك وذات الجِلد الزهري المشدود
أشعر أنني سأبكي قبل نهاية العشاء
لا أريد أن أستيقظ على الكنبة وحيدةً
تائهة.


*


لا نعيش مع الأموات
ينزلقون على البساط النقّال للنسيان
نحو مراعٍ سوداء
يرتجفون ويحلّقون في ريح المساء
عيونهم تفرغ مثل مغطَسٍ
عوراتهم الضامرة تتدلّى
بين سيقانهم الغارقة
في وحل الذكريات
لا نعيش مع الأموات
أوراكهم المبطّنة
تضحك من جهودنا العبثية
تنهّداتهم الجائعة تمزّق الهواء
كانت لنا معهم قصص حبٍّ
لكنهم لا يتذكّرون
لأنهم منشغلونَ
بمتعة حِدادهم.


ترجمة عن الفرنسية: أنطوان جوكي

المساهمون