"فلسفة ابن باجة وأثرها" هو عنوان كتاب للأكاديمي جورج زيناتي (حيفا 1935)، صدر حديثاً عن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وهو ترجمة الكاتب نفسه لعمله المنشور سابقاً بالفرنسية "La Morale d’Avempace".
يُقارب أستاذ الفلسفة في كتابه الفيلسوف الأندلسي ابن باجة من الناحيتين الشخصية والمعرفية، ويسعى إلى الإضاءة على أبرز مكوّنات فكره الفلسفي ورؤيته للإنسان عقلاً وجسداً، ودراسة تأثُّره بمن سبق من فلاسفة، وتأثيره فيمن لحق منهم، في الشرق كما في الغرب.
يبدأ الكتاب، المكوَّن من سبعة فصول وخاتمة، بإطلالة على "حياة ابن باجة ومؤلّفاته"، يعرض المؤلف خلالها سيرة ابن باجة بأوجهها المتعددة ومؤلفاته ومخطوطاته المختلفة.
في الفصل الثاني، "في الميتافيزيقا"، يعالج زيناتي معضلتين فلسفيتين مترابطتين، هما خلود النفس بعد الموت، ووحدة النفوس. أمّا مسألة اتصال العقل الإنساني الفردي بالعقل الفعال، فيعالجها من زوايا ثلاث: نفسية ومنطقية ومعرفية، ويخلص إلى أن الإنسان يحتاج في حياته إلى الآخر، ضمن ما يمكن أن نسمّيه الفلسفة الأخلاقية.
أما في فصل "الإنسان تحت نظام التدبير الجسدي"، فيتطرق زيناتي إلى وقوع الإنسان تحت نظام التدبير الجسدي، فيقول إن ابن باجة يرى أن الناس يخضعون لنظام الجسد، بمن فيهم الحكيم، لذا فعلى هذا الأخير أن يتمتع بشجاعة تجعله يضحّي بصورته الجسدية حين يقتضي الأمر ذلك، ويتطهّر تماماً من أهوائه.
يدرس الكاتب في الفصل الرابع، "الإنسان تحت نظام التدبير الروحي"، التصرفات التي تهدف إلى إثارة الآخرين والالتذاذ؛ إنْ من خلال الحس المشترك، أو من خلال القوة المتخيلة، أو من خلال المعنى الموجود في الذاكرة.
وفي الفصل المعنون "الإنسان تحت نظام التدبير العقلي"، يبحث زيناتي في نظام التدبير العقلي الذي يصبح الإنسان مهيَّأً للعيش في ظله، ما إن يتخطى المعوقات المذكورة في الفصل السابق. فيعرض الحالة النفسية للعائش في نظام التدبير العقلي، ومن ثم يعدد سمات المتوحد، ويرسم صورة لمدينته الفاضلة وسكانها النوابت.
يخصص الكاتب فصلاً آخر يتطرق فيه زيناتي إلى "الفلسفة السياسية عند ابن باجة" الذي يُعدّ صاحب الخبرة الطويلة بالحكّام والتقلبات السياسية. يذكر الفيلسوف مدن الفارابي الأربع بطريقة عابرة ولا يتوقف عندها، ويسمّي المدينة الفاضلة الإمامية، غير أنه لا يذكر شيئاً من الصفات الحميدة والمواهب التي على طالب السلطة أن يحوزها، إذ أدرك صعوبة أن توجد هذه الصفات كلها في شخص واحد، فقَبِل أن تجتمع في شخصين أو أكثر، وأن يتشارك الجميع الحكم.
ويفرد المؤلّف الفصل الأخير من الكتاب للبحث في "أثر فلسفته" وتتبع تأثيره في الفلاسفة العرب، ومنهم ابن طفيل، وابن رشد، وموسى بن ميمون. كما يتحرى أثره في فلاسفة الغرب ولا سيما إكهارت، وسبينوزا.
يخلص زيناتي إلى أنه، وعلى الرغم من أن الفلاسفة العرب لم يستطيعوا أن يخرجوا عن سيطرة أرسطو ما كان يحرمهم من نقده وتقديم الجديد من بعده، فإن ابن باجة خالف أرسطو في نظرية المعرفة وإنسانه الاجتماعي، وأخرج تالياً الفكر العربي من سجنه.
يطرح الكاتب، أيضاً، إشكالية ما إذا كانت الفلسفة العربية محاولة توفيق بين الدين والفلسفة، ويرى أن الفلاسفة في معظمهم لم يرغبوا في أي صراع مع العقيدة، بل مجرد الانصراف إلى بحوثهم بحرّية، وتأمين حماية الحاكم لهم.