تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى العربية. "أحرص على أن تصل ترجمتي إلى العربية بأسلوبية جميلة تعجب القرّاء، فهم لا يقرأون إلّا نصاً عربياً في النهاية"، يقول المترجم المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- منذ السبعينيات، كنت أترجم للبرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية. بعدها، بدأتُ النشر في عددٍ من المجلّات المصرية والعربية، حتى نشرت أول كتبي سنة 1993، وكانت على التوالي: "رباعيات مولانا جلال الدين الرومي"، رواية "جاز" لـ توني موريسون، ومختارات لـ بورخيس بعنوان "مرآة الحبر"، و"فالس الوداع" لـ ميلان كونديرا، إلخ. وكنت أرى أن نشري ترجمات لنصوص طليعية سيدعم قصائدي التي كانت تجد اختلافات في تلقّيها.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر ما نشرته هما كتابان: "سيرة العين"، وهي مختارات من قصائد الروائي الأميركي بول أوستر، و"آخر قصائد حب" للشاعر الفرنسي بول إيلوار، وهي آخر ما كتب من قصائد في حياته. ولديَّ الآن في انتظار النشر كتابان: "صرخات شيطانية"، وهو مختارات من إبداعات وفلسفات الكاتب الفرنسي أنطونين أرتو، و"مختارات من قصيدة النثر الأميركية"، وهي تُقدّم أنماطاً مختلفة في موضوع قصيدة النثر الذي يحتاج إليه الكثير من شعراء اليوم.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- يقوم معظم الناشرين المصريّين والعرب بتحديد "نشر الروايات" حصراً في كثير من الأحيان، لكني عموماً لم أخضع لهم طيلة حياتي، فلديّ مسار جمالي يتنامى من كتاب إلى آخر، سواء كان رواية أو قصصاً أو دواوين وقصائد أو مسرحاً أو نقداً أدبياً أو دراسات فلسفية.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- لا طبعاً. أنا شاعر من جيل السبعينيات المصري، وأعرف جيداً كيف أتعامل مع جماليات اللغة العربية التي أترجم إليها نصوص الآخر، ولا أقبل أن يتدخّل في صياغتي اللغوية أحد، فلديّ أسلوبيتي الخاصة، وقد تجدي مسألة المحرّر مع المترجمين الشبّان، وقد فعلت ذلك مع عدد منهم، دون أن أذكر اسمي كمراجع أو محرّر احتراماً لجهدهم، وسعياً لأن يقفوا في صفي، فأنا لا أتعالى على أحد مهما كان.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- أقوم أنا بتحديد عنوان الكتاب، سواء كان العنوان الأصلي للمادة المترجمَة أو أختار العنوان المناسب لثقافة اللغة المنقول إليها، فلكل لغة جمالياتها، وقد يكون العنوان الأصلي غير مناسب لثقافتنا، لكني عموماً لا أخضع للناشر مطلقاً في مسألة العناوين، إذ إنني الأكثر دراية بموضوع الترجمة الذي أنجزه.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- هناك بعض المحاذير التي أضعها أمامي، سياسياً أقصد، فلا أترجم مثلاً "الأدب الإسرائيلي"، مهما علا شأنه. لكن قد أترجم كاتباً يمينياً، والمهم هو جودة نصوصه طبعاً، وليس شرطاً أن يكتب كلّ كاتب يساري أدباً فائقاً أو طليعياً، ولو لم توافقني بعض الأفكار، هناك الهامش أو مقدمة الكتاب حيث يمكنني أن أعرض رأيي.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- أتعايش مع الكاتب الذي أترجم له فترة من الزمن، أقرأه وأقرأ عنه، حتى أتشرّب نسبياً أقانيمه الجمالية في الأسلوب والفكرة والمجاز... إلخ، وقد يتصادف أن أتعرّف إليه شخصياً، لكنه أمر نادر الحدوث للأسف.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- العلاقة بين الكاتب والمترجم تبادلية، فأنا أقوم بتطوير أساليبي الفنية من خلاله حين أقوم بترجمته، كذلك أترجمه بدرجات تطوري الأسلوبي من كتاب إلى آخر. إذن فهي علاقة مشتبكة: أفيد وأستفيد، أُطوّر وأتطور، أعيش معه وأتعايش عليه، لكن المهم في النهاية أن تصل ترجمتي إلى العربية بأسلوبية جميلة تعجب القراء، فهم لا يقرأون إلا نصاً عربياً في النهاية، وإن كان منقولاً عن لغة أخرى، وطبعاً ثمة تغييرات طفيفة أقوم بها، حيث يختلف المجاز اليومي في ثقافة الآخر عن المجاز اليومي في ثقافتنا، لكني لا أنحرف عن النص الأصلي، بل أتقرّب إليه حتى يتشرّبه القارئ العربي وهو راضٍ.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- الجوائز الخاصة بالترجمة، مع أنها شحيحة، إلّا أن شروطها مجحفة أحياناً، فلا يُتاح لكل مترجم أن يحصل على حقوق الترجمة، وقد يحصل على الحقوق من لا يملك أسلوبية عالية، فتظهر النصوص المترجمة أحياناً شوهاء مبتورة. وهناك، طبعاً، ناشرون يضعون شرطاً لتقاسم مبلغ الجائزة لو نالها الكتاب أو الكاتب، وهي قرصنة أدبية نعمل على التحذير منها، فما لم تضع هيئة الجوائز شرطاً للتقاسم مع الناشر، فليس من حقه أن يتناصف مع المترجم حقّه في الترجمة.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- لماذا تكون معظم مشروعات الترجمة إلى العربية مشروعات أفراد؟ لأن كثيراً من الناشرين لا يملكون الذائقة الثقافية العالية أو الطليعية التي يمكنهم بها طرح نصوص أدبية أو فلسفية تستحق الترجمة وتفيد المجتمع العربي في حياته، وتُطوّر ما يمكن أن تؤول إليه من أفكار تقدمية. طبعاً هناك مؤسسات حاولت تحقيق ذلك، لكن يجب أن تجرى استشارة مترجمين متنوّعين في ما يجب ترجمته، بعيداً عما يمكن أن نطلق عليه مبدأ "الشللية" أو منطق "العصابات الثقافية" في بعض الأماكن.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- أتعامل مع النص الأصلي في البداية كأنه نصّي، بمحبة وتقدير بل وعاطفية، حتى أتقبّله وأعمل عليه. وبالنسبة إليَّ خاصةً، لا أترجم إلّا نصوصاً طليعية، سواء كانت أدباً أو فلسفة أو نقداً. وطبعاً يأخذ النص الذي أترجمه عدّة مراحل، حتى أرضى عنه وأدفع به للطبع، مثل المراجعة اللغوية وتجميل بعض العبارات حتى لا تبدو كأنها حَرفية، دون التغوُّل على حق النص الأصلي في جمالياته.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- ما قدّمته للمكتبة العربية عموماً كان في صالح جمالياتي الفنية في الترجمة، لأنني أعمل على مشروع جمالي من البداية، ولا أدع الناشرين يفرضون عليّ ما يريدون، ولو خسرتُ في ذلك الكثير، حتى أستطيع في النهاية النوم مرتاحاً لأني لم أبتذل نفسي في ترجمة شيء لا أراه مفيداً أو إضافةً لمساري الجمالي.
■ ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- أن تجرى ترجمة النصوص والأفكار الطليعية المنتشرة في العالم اليوم، بل منذ عقود وعقود، وأيضاً ألّا تنحصر الترجمة في الآداب فقط؛ فالعصر الذي نعيش فيه يعجّ بالعلوم، وعلينا أن نأخذ حظّنا من التقدم ونصيبنا من التطور بالاقتراب، ولو حثيثاً، من لغة العصر الذي نعيشه، حتى لا نصبح كالهنود الحمر أمام آلة التطوُّر التي تجتاح العالم وبقسوة أحياناً. نتمنّى طبعاً أن نستطيع الإفلات من قبضة المستبدّين حتى تتحرّر رؤوسنا من الأَسقف المفروضة عليها، ونرتفع عالياً إلى سماء العالم المتمدّن.
بطاقة
شاعر ومترجم مصري، من مواليد القاهرة سنة 1955. إلى جانب كتبه الشعرية، صدرت له الكثير من الترجمات؛ من بينها في الشعر: "رباعيات مولانا جلال الدين الرومي" (1998)، و"رسائل عيد الميلاد" لـ تيد هيوز (2002)، وفي الرواية: "غرام" لـ توني موريسون (2004)، و"فنانة الجسد" لـ دون ديليلو (2006)، وفي المسرح: "رماد من رماد" لـ هارولد بنتر (2006)، وفي النقد: "مقدمة لقصيدة النثر" لـ بريان كليمنس وجيمي دونام (2014).