مفكرة المترجم: مع إياس حسن

13 مارس 2018
(إياس حسن)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى العربية. هنا حديث مع المترجم السوري إياس حسن الذي أصدر مؤخراً ترجمة كتاب فوكو "ولادة الطب السريري" ضمن مشوار جاوز ثلاثة عقود في انتقاء عناوين تنقص المكتبة العربية.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
التعرّف على لغة أخرى يشكل إغراء، وإتقانها يشكل تحدياً، وإنجاز ذلك يخلق فضولاً لا يشبَع تجاه الثقافة التي تحملها هذه اللغة. ومن بوابة الفضول هذه بدأت حكايتي مع الترجمة، ذلك أن الترجمة تشكل الأداة المثلى التي تربط بين هذا الإغراء وهذا التحدي وهذا الفضول.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
صدر لي في شهر شباط/ فبراير 2018 كتاب "ولادة الطب السريري" لـ ميشيل فوكو، عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات".


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
لا تشكل الترجمة بالنسبة لي "عملاً" ألتزم به، وهذا لا يخولني الكلام عن "عقبات" بالمعنى الدقيق. ربما يصحّ كلامي عن "هموم" ألخصها بما يلي: أولاً هناك تردّد الناشرين في تبني بعض الترجمات لاعتبارات تسويقية؛ ثانياً، غياب مرجعية معتمدة يمكن اللجوء إليها في اختيار بعض المصطلحات، خاصة في العلوم الإنسانية؛ ثالثاً، التساؤل عن ضرورة - وحدود - الشروح المتعلقة بالمصطلحات والتعريف بالأعلام، فهل من الضروري مثلاً التعريف بشكسبير حين يرد اسمه، أو التعريف بالبنيوية حين يرد ذكرها؟ أجد كثيراً من الترجمات محشوة بمثل هذه التعريفات، ربما لافتقار المكتبات المنزلية إلى الموسوعات باللغة العربية.


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
بالنسبة لي، فأنا أعترف بدور المحرّر بل وأجده ضرورياً، وربما ألجأ أحياناً إلى بعض الأصدقاء ممن أثق بهم وأراجع ملاحظاتهم، وكذلك أفضّل وجود محرّر من جهة الناشر، شرط ألا يأخذ دورَ "الوصي" على المترجم، وموقفَ "العائق" أمام تطوّر اللغة، بافتراض أن المترجم "يجتهد" أحياناً كثيرة في صوغ بعض العبارات أو وضع بعض المصطلحات.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
أفضّل أن أختار العناوين التي تستهويني، لأنني كما قلت، لا أمارس الترجمة بصفتها عملاً، بل هواية ورسالة في الوقت ذاته. ولم يحصل أن ترجمت كتاباً بطلب من ناشر.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
الاعتبارات التي أراعيها هي الالتزام بالجانب الإنساني بالدرجة الأولى، وأحرص على الجانب التنويري في ما أختاره.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
العلاقة كتواصل شخصي، مع الأحياء من المؤلفين، غير واردة لسبب متعلق بشراء الحقوق، الأمر الذي يتجاهله معظم الناشرين، مما يمنع التواصل حين يتعلق الأمر باستيضاح بعض النقاط الملتبسة؛ أما على الصعيد الوجداني، فقد تأثرت بالموقف الإنساني لبعض من ترجمت لهم، مثل ألبير جاكار، وباكتساب منهجية البحث من معظمهم.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
مما لا شك فيه أن "المترجم" يستمد كثيراً من أسلوبه كـ "كاتب" من حيث تفضيله عبارات معيّنة أو مفردات خاصة... لكن طبيعة الموضوع تفرض أيضاً بعض الضوابط الخاصة، فترجمة سيرة حياة أحد العلماء مثلاً لا تشبه نصاً علمياً يتناول إنجازه العلمي.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
يشوب اعترافي بالجوائز بشكل عام، ومنها جوائز الترجمة بشكل خاص، كثير من التشكيك في موضوعيّتها، لاعتقادي أن المعيار الحاسم في منحها غالباً ما يرتبط بنفوذ الناشر وعلاقات المترجم الشخصية، أكثر مما هو معايير موضوعية، هذا إذا اتفقنا على إمكانية وجود مثل هذه المعايير. وكبديل أرى أن تقوم، سنوياً، لجان أكاديمية متخصّصة متعددة تعدّدَ التخصّصات، بترشيح عشرة عناوين في كل مجال تخصّصي، والتنويه بها، بذلك تنتهي فكرة "المراتب" الفردية وتحل محلها فكرة "المستوى" العام.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
الترجمة المؤسساتية بشكل عام هي الأفضل والأكثر مدعاة للثقة، وما ينقصها برأيي هو مزيد من التعاون والتنسيق بين الهيئات المعنية (وزارات وجامعات ومراكز أبحاث...)، بهدف اعتماد خطة متكاملة لترجمة أصول الفكر العالمي، من جهة، ومتابعة أحدث الإصدارات من جهة ثانية، ووضع مشروع لإصدار موسوعات وقواميس متخصّصة بإشراف لجان متخصّصة من جهة ثالثة. ويمكن أن نطالب هذه المؤسسات باعتماد خطة لإصدار سلاسل كتب نصف مبسطة بطبعات شعبية بحيث تكون في متناول أوسع شريحة.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
لا أظن أني أخالف غالبية المترجمين، فأنا في مرحلة أولى أهتم بـ "الصقل"، أقصد الهيكل العظمي للنص المترجم، شأن الترجمة الفورية، وفي مرحلة ثانية أهتم بـ "صقل" هذا الصقل، أي إعادة الصياغة كي أحصل على كسوة عربية مستساغة، وبذلك أقوم بدور المترجم في المرحلة الأولى، وبدور القارئ/ المحرّر في المرحلة الثانية. وعدا ذلك ما من طقوس خاصة.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لم يحصل أن ترجمت نصاً ندمت عليه حتى الآن.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
الأمنيات كثيرة، ألخّصُها في أن تتمكن الترجمة إلى اللغة العربية من مواكبة الحركات الفكرية في العالم، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً. وحلمي أن تتمّكن الترجمة من تقديم نص عربي ينسيك أنه ترجمة.


بطاقة
إياس حسن، مترجم سوري من مواليد 1953. درس الطب في جامعة دمشق، وتخصص في الأمراض الجلدية والزهرية في فرنسا. له كتاب "النهضة والأطراف، يوتوبيا المثقفين في الساحل السوري" (2007). ومن ترجماته: "مديح الاختلاف" (1995)، لألبير جاكار، و"ابتداع الإنسان" (1996) لجاكار أيضاً، و"داروين وشركاه" لـ بيير تويليه (1996)، و"لم نكن حداثيين أبداً" لـ برينو لاتور (2000)، و"يوتوبيا الاتصال، أسطورة القرية الكونية" لـ فيليب بريتون (2008)، و"الأيديولوجيا والعقلانية في علوم الحياة" لـ جورج كانغيلم (2017)، و"ولادة الطب السريري" (2018) لـ ميشيل فوكو.

المساهمون