انشغل المفكّر الجزائري مالك بن نبي (1905 – 1973) بالبحث في سبل تقدّم المجتمعات التي خضعت للاستعمار في آسيا وأفريقيا وإعادة بنائها، وخروجها من مزالق التخلف والتبعية، مؤكداً على فكرة الحضارة المنتجة المستقلة عن استلاب الحضارات الأخرى.
وقدّم أفكاره ورؤاه في العديد من المؤلّفات منها "شروط النهضة" (1948)، و"الفكرة الأفروآسيوية" (1956)، و"مشكلة الثقافة" (1959)، و"الصراع الفكري في البلاد المستعمرة" (1960)، و"إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي" (1969)، و"مذكرات شاهد القرن" (1970).
يقيم ملتقى "قارئ النهضة"، عند الثالثة من مساء غدٍ السبت، حلقة نقاشية في "الحديقة الألفية" بعمّان، يعود فيها إلى أولى كتب بن نبي الذي يحمل عنوان "الظاهرة القرآنية" وصدر له باللغة الفرنسية عام 1946، ولا يزال يمثّل مرجعاً أساسياً لتضمّنه اقتراحات لإصلاح المنهج الديني في تأويل النص لأسباب تاريخية ومنهجية.
يتحدث الكتاب عن الظاهرة الدينية موضحاً المذهبين المادي والغيبي في تفسيرها، كما يدرس الحركة النبوية ومبادئها، ويعقد موازنة علمية بين النبوة وبين ادعائها، متخذاً من حالة النبي إرميا نموذجاً لعرض الأفكار العامة عن النبوة ونفسية النبي وخصائص النبوة.
ويبحث بن نبي في الكتاب في مصادر أصول الإسلام في عصر ما قبل البعثة، وطفولة النبي وشبابه، وفي العصر القرآني المكي والمدني، وفي الوحي ومقاييسه الظاهرة والعقلية، ومقام الذات المحمدية والرسالة، مبيناً خصائص الوحي الظاهرية، والعلاقة بين القرآن والكتاب المقدس.
إلى جانب بحثه في موضوعات ومواقف قرآنية، وإرهاص القرآن، وما لا مجال للعقل فيه (فواتح السور)، والمناقضات والموافقات والمجاز القرآني، والقيمة الاجتماعية لأفكار القرآن.
يدخل بن نبي إلى الظاهرة القرآنية (الموضوع) من باب الظاهرة المحمدية (الذات)، ويرى أننا لو اعتبرنا القرآن هو المنهج الموضوعي للإسلام فإن الذات/ السُنّة النبوية ستعتبر الممارسة الفعلية لهذا المنهج على الأرض.
وسعى صاحب "القضايا الكبرى" جاهداً إلى إثبات أصالة الظاهرة القرآنية، وعلوية مصدرها، حيث سلط الضوء على شتى أصناف إعجاز القرآن، منها اللغوي والأدبي وكذا العلمي والاجتماعي والتربوي، لاعتقاده أن كل ذلك إنما يعزز مكانة القرآن بين المصادر والوثائق الدينية المدونة والتاريخية، ويبرز أصالة الإسلام وعقيدة التوحيد.