"العربية بين اكتساب المعرفة وإنتاجها": من أجل خطة منهجية

03 مارس 2019
من الجلسة الأولى
+ الخط -
انطلقت اليوم أعمال الندوة العلمية الدولية التي نظمها مركز اللغات في "معهد الدوحة للدراسات العليا" تحت عنوان "العربية بين اكتساب المعرفة وإنتاجها: مقاربة استشرافية" والتي ستستمر لثلاثة أيام بمشاركة نحو خمسين باحثاً من مؤسسات أكاديمية دولية وإقليمية ومحلية.

تهدف الندوة، التي تضم اثني عشر جلسة، إلى وضع خطة منهجية تجمع ما بين النظرية والممارسة في مجال اللغة في إطار اهتمام "معهد الدوحة" بتعزيز مكانة اللغة العربية لغةً دوليّةً للدراسة والبحث العلمي، هذا فضلاً عن الفرصة التي تتيحها لاجتماع نخبة مختارة من الباحثين لتبادل الآراء والخبرات.

شارك في أعمال الندوة خلال يومها الأول خمسة عشر باحثاً وباحثة تناولوا موضوعات مختلفة عن اللغة والمعرفة والهوية، حيث ناقشت الجلسة الأولى محور "العربية والمعرفة: مقاربات استشرافية"، وكانت برئاسة المدير العام لـ "المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية"، علي أحمد الكبيسي، وبمشاركة الباحثة رنا سبليني من مركز اللغات بورقة بحثية تحت عنوان "مشروع لغوي لنهضة معرفية: دراسة حالة معهد الدوحة"، ناقشت فيها دور مركز اللغات بـ"معهد الدوحة" في تعزيز مكانة اللغة العربية لغةً دوليةً للدراسة والبحث.

كما تضمّنت الجلسة الأولى ضمن نفس المحور ورقة بعنوان "إنتاج المعرفة واستعادة الهوية: حالة جورجتاون – قطر" قدّمها الباحث محمود العشيري من "جامعة جورجتاون- قطر" ورصد فيها التحديات التي تعرقل وصول الطلاب، في العديد من مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي، إلى الكفاءة المنشودة في اللغة العربية التي تمكّنهم من تقديم إنتاج فكري بهذه اللغة يستوفي معايير الجودة العالمية. واختُتمت الجلسة بورقة مشتركة بين الباحث عامر أحمد والباحثة أيرينا لينتشاك تضمّنت دراسة حالة لفلسفة التعليم في سلطنة عُمان.

وخُصّصت الجلسة الثانية لمحور "اللغة وبناء الهوية السياسية"، برئاسة الأكاديمي إسلام دية، من جامعة برلين الحرة في ألمانيا، وفيها تناول الباحث مصطفى المنشاوي موضوع "وفاة شرعية أكتوبر في مصر: تحليل خطاب الدولة حول حرب 1973 وبعد 2011" حيث تطرق المحاضر إلى إعادة بناء حرب 1973 كخطاب لإضفاء الشرعية السياسية في مصر في فترة مبارك وبعد 2011.

أما ورقة الباحث عماد عبد اللطيف فكانت بعنوان "الملاعب بوصفها فضاءً احتجاجياً: الخطاب وتشكّل الهوية السياسية لجماهير كرة القدم"، وتطرّقت إلى الفضاءات الرياضية باعتبارها فضاءً لممارسة الهويات، وتشكّلها، ومقاومتها. واختتمت الجلسة الثانية مع الباحث عاطف الشاعر الذي قدّم ورقة حول "ثقافة التواصل: الإسلام في خطاب الحركات السياسية في فلسطين"، ركزت على خطاب حركات المقاومة الفلسطينية .

وبحثت الجلسة الثالثة، التي ترأسها المدير التنفيذي لمشروع "معجم الدوحة التاريخي للغة العربية"، عز الدين البوشيخي، في موضوع "اللغة العربية باعتبارها لغة للمعرفة والمصطلح". وقد شارك فيها الباحث مكي البدري بورقة بعنوان "العربية لغة نقل للمعرفة وإنتاجها في المنظمات الدولية"، اهتمت بإبراز دور الترجمة العربية في إنتاج المعرفة العالمية.

وتطرقت الجلسة أيضاً، إلى مسألة نقل مصطلحات العلوم وتعريبها مع الباحثة ليال مرعي التي سلطت الضوء على اللغة العربية كلغة للعلوم، وذلك عن طريق استخدام أمثلة المصطلحات التي تُظهر صعوبات الترجمة العلمية إلى العربية. وجاء اختتام الجلسة الثالثة بورقة أحمد حاجي صَفَر تحدث فيها عن الترجمة بين تلقّي المعرفة وإنتاجها.

أما الجلسة الرابعة، فسلّطت الضوء على موضوع "قياس الكفاءة الأكاديمية وتطويرها"، وجرى التطرق فيها إلى تقييم مهارات القراءة الناقدة للطالب العربي، وذلك عن طريق استكشاف قدراته على توظيف اللغة العربية وأدواتها توظيفاً فاعلاً، لإنجاز المهمات الأكاديمية والفكرية المتوقعة منه في مستوى الدراسات العليا.

قُدمت ضمن الجلسة ورقة بحثية تحت عنوان "نحو نموذج لقياس جودة اللغة العلمية للبحوث الأكاديمية المنجزة" للباحث عبد القادر بوشيبة، اهتم فيها بتقديم وصف لنموذج قياس جودة اللغة العلمية للبحوث الأكاديمية المنجزة بالعربية وكفاءتها. واختتمت جلسات اليوم الأول بمداخلة الباحث حسين السوداني الذي تطرّق إلى دراسةَ مسألة ضرورة الاستثمار في اللغة العربية.

وكان رئيس مجلس أمناء "معهد الدوحة للدراسات العليا"، المفكر العربي عزمي بشارة قد ألقى كلمة افتتاحية في الندوة العلمية، بعنوان "لا خوفَ على العربية"، وضمنها أشار إلى أن النظر إلى اللغة المحكية باعتبارها ليست لغة دولة عربية بعينها، والنظر إلى العربية الفصحى على اعتبارها لغة الأمة العربية يعد توصيفاً خاطئاً، لأنّ اللغة المحكية هي لهجة منطقة أو إقليم، وأحياناً لهجة مدينة أو قرية، وقد تختلف داخل البلد الواحد.

وأوضح بشارة أنه "لا غنى عن اللغة العربية الفصحى التي نتعلمها في المدارس في بناء الدولة، والمجتمع المدني، والتواصل العربي لأنها -أي الفصحى- لغة الدول العربية الرسمية، أو لغتها الأولى في بعض الدول، هذا بالإضافة إلى أنها لغة مناهج التعليم، والإعلام، والمداولات، وأنها ليست منفصلة عن الحياة اليومية، فهي كائن حي تمتد جذوره إلى لغات دارجة، ومحكية قديمة، وهي لغة الشعر العربي، والرواية، وهذا ما يزيدها قوة وثراء وحيوية".

رصد بشارة، في كلمته، ثلاثة شروط تُساعد في تفسير تطوّر اللغة، تحت ما سماه "الانفتاح وحسن الاستقبال". ويتمثل الشرط الأوّل في مقدرة اللغة على مجاراة تطور الحياة، والثاني يتعلق باستعداد اللغة للتنازل عن حراسة حدود الصحيح والخطأ، أما الشرط الثالث فيتمثل في مدى مقدرة اللغة على مواجهة تحدي الرقمنة، الذي هو تحدي العصر. وخلص بشارة إلى أن اللغة العربية قادرة على تلبية هذه الشروط، وتجاوز هذه الامتحانات الثلاثة بنجاح، وأن القلق حيالها قد يكون حقيقياً أو مصطنعاً، ولكن اليقين الذي يمكن الجهر به هو ألّا خوف على العربية.

وتستكمل فعاليات الندوة غداً الإثنين، بمناقشة أوراق تبحث في مواضيع مثل تعليم العربية القائم على المعايير، والتكنولوجيا ورفع كفاءة التعليم والتعلم، والاكتساب المعرفي من منظور المتعلم، وإنتاج المعرفة ولغاتها وسؤال الهوية، وحالة العلوم اللغوية في الثقافي العربية، كما سيجري في اليوم الثاني للندوة اطلاق كتاب "اللغة العربية في النظام الصهيوني: قصة قناع استعماري" لإسماعيل الناشف.

المساهمون