جميل أم مهم؟

12 يوليو 2019
نصير شورى/ سورية
+ الخط -

سبق لـ سارتر أن تساءل في كتابه "الأدب الملتزم" حول ما إذا كان علينا أن نشير إلى أهمية الرواية، أم إلى نواحي الجمال فيها، ثمّ قال: "ألا ينبغي أن تنقضي مائة سنة على تأثير الرواية... حتى نتعرّف على أهميتها؟"، وأظنّ أنَّ الرقم كبيرٌ جدّاً، وفيه كثير من المبالغة.

فهل يعني هذا أننا نحتاج لمائة عام قادمة كي نرى أثر نجيب محفوظ أو عبد الرحمن منيف أو الطيّب صالح، أو أي روائي من روائيّينا الأحياء أو الراحلين، في الرواية العربية أو في الفكر العربي؟ وقد يؤدّي هذا التساؤل، في ما لو تبنيناه، إلى الإحباط، فالكاتب لا يكتب لمن سيأتون بعد مائة سنة، بل لمن يعيشون في زمنه، ولا نفع له شخصياً إذا ما كانت الأجيال القادمة ستعيد قراءة عمله، أم لا، من دون أن نقلّل من شأن الرغبة في الخلود أو البقاء، أو التأثير الفاعل في ثقافة الإنسانية كلّها التي تلازم أي كاتب وأي كتابة.

ومع ذلك، يمكن القول إن قياس حجم التأثير الذي تخلّفه الأعمال الفنية في زمنها من الناحية الفكرية صعبٌ جدّاً، وقد يكون من بين المهام الجسيمة التي تنتظر النقد العربي، والبحث الأدبي والتاريخي العربيَّين، مهمّة دراسة التأثيرات المحتملة بل الأكيدة للرواية في المجتمع العربي.

وقد تنجم الصعوبة من غياب أدوات القياس، ومن تراخي التتبُّع البحثي لأثر الفن في الحياة الاجتماعية، بينما نرى العديد من الدراسات التي تُلحّ على أثر المجتمع في الفن. ولم تترجم إلى العربية تلك الدراسات التي تلاحظ التأثير الذي يمارسه الفن على الحياة، بينما يمكن تتبُّع تأثير الرواية الفني أو التقني في زمنها، ومنها أثر "عوليس" لـ جيمس جويس في روايات القرن العشرين، و تأثير فوكنر في رواية أميركا اللاتينية، وأثر غوركي في الأدب الواقعي، وأثر رواية مثل "مدام بوفاري" في آداب العالم، من ناحية الشكل الأدبي الذي ابتدعه فلوبير.

وهذا النوع من الدراسات تفتقر إليها الثقافة العربية أيضاً، ففي كل الكتب التي بحثت في أدب نجيب محفوظ لم يلاحظ أحد أثر الكاتب في الرواية العربية من بعده، بينما تنصرف معظم المؤلّفات التي أرّخت للرواية العربية إلى دراسة خطابها الفكري والسياسي، والإشارة إلى دور الرواية في خدمة التغيير الاجتماعي، ووظيفتها في المجتمع، أكثر من اهتمامها بتطوُّرات الأشكال الفنية، على الرغم من أن التطوُّر الفني يعكس طبيعة المتغيّر الاجتماعي والسياسي والفكري عامّةً في كل مرحلة من المراحل، ويؤثّر فيه. وهو أمر طبيعي ينبع من وظائف الكتابة نفسها، ومن دورها في الحياة الشخصية للقرّاء والكتّاب معاً.

من الصعب التصديق أن أحداً ما يكتب من أجل الكتابة، أو ينتج الفن من أجل الفن. ولكن المعادلة الصحيحة تفيد بأن على الرواية والشعر والمسرح أن توفّر لنفسها قبل أي شيء آخر مواصفات النوع، أو مواصفات الفن ذاته، كي تستطيع أن تترك تأثيراً ملموساً في الحياة الفكرية التالية، أو في المجتمع من حولها.

دلالات
المساهمون