رقعة ضيقة لحبيب سروري

10 ديسمبر 2014
+ الخط -

في آخر أعماله الروائية، "ابنة سوسلوف"، يقدّم الروائي اليمني حبيب عبد الرب سروري شاهداً جديداً على عناصره السردية المفضّلة والمتكررة: عدن الاشتراكية، رحلة الدراسة في فرنسا، اليمن وعُصابه: التخلّف. إنها عناصر فرضت ما يشبه "الاستعمار الإبداعي" على عدد من أعماله الروائية التي يشكّل اليمن موضوعها الرئيسي، مثل "الملكة المغدورة" و"دملان" و"طائر الخراب".

لكن سروري، الذي ولد في "مستعمرة عدن" عام 1956، لا يرى بأساً في هذه السطوة والتكرار، إذ يعتبر في حديثه إلى "العربي الجديد" أن هذه المحاور "لا تسبرها ألف رواية"، وأن ما كتبه عنها ليس سوى "قطراتٍ من محيط". يتلخّص هذا المحيط، برأيه، في تجربة "عدن الاشتراكية" خلال السبعينيات: "كانت هناك قيادة شيوعية نصف أميّة، من أصول قبلية غالباً، في بلد عربي مسلم!". ويضيف: "تجربة فريدة ونادرة في تاريخ البشرية، دامت عقدين مدهشين، ستُنسى يومياتها قريباً لأنه لم يتم توثيقها".

التشابه بين العناصر السردية في رواياته وسيرته فتح للنقّاد أبواب المقارنة، بين نهجه الروائي والأسلوب "التسجيلي/ التوثيقي" في عمل صنع الله إبراهيم. وبعضهم لاحظ طابعاً ذاتياً في رصده التحولات داخل المجتمع، مثله مثل إبراهيم أصلان الذي رصد، في "عصافير النيل"، التطورات في المجتمع المصري من منطلق تجربة عمله في البريد.

"لا أميل إلى هذه المقارنات، فهي بعيدة عن همومي الروائية"، يجيب سروري، نافياً وجود علاقة بين سيرته وسردياته، قبل أن يستثني "الملكة المغدورة"، باكورته الروائية. وإذ يتنصل من تهم استنزاف وتكرار تلك العناصر في بعض أعماله، وارتباطها بسيرته، بتدوير عناصر اهتمام أخرى، كالتاريخ والعلوم والميتافيزيقيا؛ فإنه يجاري بالأسلوب ذاته عنصر الانتقال إلى فرنسا، المتكرر هو الآخر في بعض رواياته، مؤكداً أن حفاظه على هذا التنقّل في حياة بطل الرواية يسمح بتنقل الروايات بين مسارح جغرافية وثقافية متنوعة "تنسجم مع رواياتي التي تنتقل بين مواضيع مختلفة".

يصفه بعض النقاد، أو "يتهمه"، بأنه كاتب "فرانكفوني/ ماركسي" قضى نحو أربعين عاماً في فرنسا، وهو ما لا ينفيه سروري على أي حال: "لا أعتبر ما قلته اتهاماً، لأن الفرانكفونية والماركسية بالفعل جزء مما تأثرت به ثقافياً"، معتبراً أن من المهم جداً تأثر المرء بالثقافات المغايرة لثقافته الأم. بيد أنه يبدي اعتراضاً على "وضع قبّعات وتصنيفات ثابتة تمسّني، سيما إذا اتخذت طابعاً أيديولوجياً".

وكرفض لتداعيات هذه الاتهامات التي تحصره في "رقعة ضيقة"، كما يقول، يفصح عن تحيّزه الفكري للاشتراكية، إذ يعتبر أن اندهاشه بالحضارة الأوروبية "يعود فقط إلى إنجازات التنوير والثقافة، فكثير من شخوص رواياتي معادية للرأسمالية التي خربت العالم. أحلام هذه الشخوص وممارساتها اشتراكية ثورية".

في "ابنة سوسلوف"، يكشف سروري عن انحيازه هذا، مستهلاً الرواية بعبارة مقتبسة من الشاعر الفرنسي رامبو: "الحرب الروحية لا تقل شراسة عن معارك الفرسان"؛ معتبراً أن ما يدور بين بطل الرواية العلماني، عمران، وحبيبة طفولته السلفية، هاوية، "حرب روحية على كل الأصعدة، لا سيما الفكرية والغرامية والسياسية، وعشق جبهوي عنيف على كل المستويات"، شاحناً برمزية خاصة شخصية هاوية، التي "ضاعت من بين أصابع عمران، كما ضاعت عدن من بين أصابع اليمن".

صراع الجبهات الذي تقاربه "ابنة سوسلوف"، في ثنائيتها: تنوير/ ظلامية، تخلّف/ تقدّم، حرية/ سلفية، هو ما ينوي سروري الاستمرار فيه، معبّراً عن رغبته في مواصلة "الحروب الروحية" في مشاريعه القادمة، التي تختلط فيها رغبة ضارية في كتابة روايات تاريخية يمتزج فيها التاريخ بالتخييل، ومواضيع فلسفية وميتافيزيقية.

المساهمون