نسافر إلى مدن بعيدة

25 فبراير 2019
(مقطع من لوحة "آنسات أفينيون" لـ بيكاسو)
+ الخط -

قالت لي الحُرَّةُ، سَيِّدَةُ الأرض الحُرَّةِ زوجَتي
ماذا سأفعَلُ بِجُثَّتِكَ إذاً...
قُلتُ لا تَفعلي بِها شيئاً، أَحرِقِيها
فمتى تأتي يا لهب النار؟


■ ■ ■


المُدن التي لا تُشبِهنا
نَخرُجُ إلى شوارعها
فلا يَتَعرَّفُ علينا أَحد
ولا يُكَلّمُنا أَحد
ولا يُبارِكُ لنا أعياد الميلاد أحد
ولا يُعانِقنا أحد
ولا تَصِلنا رسائلٌ من أحد
ولا يسأل عَنّا أحد
ولا يَقتربُ منّا أحد
نَجلس بعيدين في أيّ طاولة نائية كالجذام
وحين نَمُرُّ بالقرب منهم
يُمسِكون بِأنفاسهم حتى نبتعد
وحين نَحلُم، نَقِفُ خلف الشبّاك
نَنتَظِرُ ولا يَحدثُ شيء
وإذا جَلَسنا مع بعضهم
نَجلِسُ مُؤدّبين على طاولة الطعام
ونَبتسِمُ فقط عندما يَبتسِمُ الآخرون
ونَشكُرهم أكثر من اللازم
قلت لصاحبي الشكر مَرّة واحدة كاف
أنت لَستَ شَحاذاً هُنا
فقال أنا هنا مُجرمٌ وشحاذ وحرامي!


■ ■ ■


حين ترجع إلى شقتك الصغيرة في أقاصي المدينة
حيث الشوارع صامِتة كَمقبرة
تَفتح بابك فيحضُنُك الفراغ
وسترى أن لا شبيه لَكَ غيرُ نفسك


■ ■ ■


نسافر إلى مُدُن بعيدة
أقصِد نَعود إلى تُرابِنا مجروحين
نحمِلُ هدايا وبعضاً من الحزن
إلى القاهرة وعمّان والدار البيضاء وتونس وعَدن..
وحين نرجِع إلى أمكنة إقامتنا ماذا نفعل؟
لا نستمعُ إلى موسيقاهم
لا نَزورُ المتاحِف
لا نذهبُ إلى دور السينما
نخاف على أولادنا من أصدقاء لهم،
صغارٌ أشرار!! وصغيرات بعيون زُرقٍ
يَرسُمن دوائر ونصف دوائرٍ صغيرة
وهنَّ يرقُصنَ
على رؤوس أصابِعهنَّ
حين يَقتربن من بُحيرة البجَع
صغيرات خَرجن من منبع الحبِّ وَعَسَلِه
مستقلات واثِقاتٍ سامِقاتٍ
خرجن حُرّاتٍ مِن أرض حُرّةٍ
لا ينتظِرنَ خَلفَ شُبّاك رجالاً بؤساء
مِمّ سنخافُ؟
مِن الزخارِف، من فُرشِ الألوان
مِن ظل يراقِص ضوءاً
مِن المُستحِمّات، الراقصات، أم مِنَ العاريات داخل مُكعبّاتٍ
على أَقمِشةِ الفرَحِ والحزن والوجد والفقد
وضعنا للدّار حدوداً
أغلقنا أبوابنا
وأسدلنا الستائر
ثمّ رَفَعنا أسلاكاً وحيطاناً
وعانقنا ظلامنا الأبدي.


* شاعر مغربي مقيم في الولايات المتحدة الأميركية

المساهمون