"أنا الصرخة، أية حنجرة تعزفني؟ ضياء العزاوي: معرض استعادي (من 1963 حتى الغد)"، عنوان معرض للفنان التشكيلي العراقي ضياء العزاوي يُفتتح، اليوم، في غاليري "المتحف العربي للفن الحديث" و"قاعة الرواق" في الدوحة، ويتواصل حتى 16 نيسان/ إبريل 2017.
يرصد المعرض، الذي وُصف بأنه "أكبر معرض استعادي يُقام لفنان عربي"، تجربة الفنّان الغنيّة والممتدّة لأكثر من خمسين عاماً.
ستتوزّع الأعمال التي تزيد عن الخمسمئة ما بين رسمٍ ونحتٍ ومطبوعاتٍ وأعمال حفرٍ، بعضها يُعرض للمرّة الأولى، على قسمين؛ الأول يبيّن العلاقة بين النص والصورة في تجربة الفنان، والثاني يستعرض الأعمال التي تعكس علاقة الفنان بقضايا المنطقة، وتترجم تقاطع أعماله مع الحروب والسياسة في تاريخ البلاد العربية.
سيرة العزاوي (1939) تتقاطع مع كثير من الفنّانين العراقيين، ومع مدارس تشكيلية شقّت طريقها في بغداد وأثّرت في تاريخ الفن التشكيلي العربي، فبعد تخرّجه من "معهد الفنون الجميلة" في بغداد، التحق بكلّية الآداب للدراسة في قسم الآثار، حيث تخرّج منها عام 1962.
بعد ذلك بأعوام قليلة، سيؤسس مع مجموعة من الفنّانين؛ وهم: رافع الناصري، وإسماعيل فتاح، ومحمد مهر الدين، وصالح الجميعي وهشام سمرجي، "جماعة الرؤية الجديدة" (1969) التي جاء في بيانها أن "الفن ممارسة موقف إزاء العالم، عملية تجاوز مستمرّة واكتشاف لداخل الإنسان من خلال التغيير".
كما التحق أيضاً، ولفترة قصيرة، بجماعة "البعد الواحد" التي أسّسها الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد، والتي استلهمت من الحرف العربي وضمّنته في العمل الفني.
وحتى 1976، عام رحيلة عن العراق، ظل العزّاوي يعمل في "مديرية الآثار العراقية" في بغداد، ثم انتقل إلى لندن حيث ما زال يقيم إلى اليوم، وشغل آنذاك منصب "مدير فني للمركز الثقافي العراقي" هناك، والذي كان يُعتبر، وقتها، منصّة لقاء للفنّانين والمثقّفين العراقيين والعرب على حد سواء.
في تلك السنوات، نظّم الفنان والقيّم وقتها، العديد من المعارض، أبرزها "معرض بغداد العالمي للملصقات"، و"بينالي جرافيك العالم الثالث"، و"فن الغرافيك العربي المعاصر"، و"تأثير الخط على الفن العربي المعاصر"، و"الفنانون العرب المعاصرون" الذي أُقيم على ثلاث مراحل. كما كان مسؤولاً عن مجلّة "أور" الثقافية التي سعت إلى تعريف الجمهور الأوروبي عموماً، والإنكليزي على وجه الخصوص، بالتراث العربي.
تأثّر الفنان في بداياته بتجارب الروّاد العراقيين؛ أمثال فائق حسن وجواد سليم الذي استعاد أعماله في تجربة "البغداديات"، كما كان للموروث المحلّي والحضاري الغني للمنطقة، ولا سيما الرموز والإشارات الإسلامية، دور أساسي في تكوين رؤية الفنان الشاب، والتي جعلها، بحسب جبرا إبراهيم جبرا، "منطلقاً لخياله".
من هنا، بدأ العزاوي ينتقل بين التجاري، فاستلهم من الحرف العربي وقام بتحديث استخدامه في اللوحة، على نحو فارق عن الطريقة التي كان يعتمدها الخطّاطون ورسامو المنمنمات العربية في القرون الوسطى. لقد استطاع أن ينتقل من شكلانية مزخرفة إلى ما يشبه التكوين النصّي البصري، غير أنه سيهجر هذه التجربة لاحقاً، وعن ذلك يقول في إحدى المقابلات التلفزيونية معه "وجدت في هذه الأعمال صورة عادية، وليس فيها الكثير من التحدّي".
عند استعراض مسيرة العزّاوي الغنية، لا بد من الوقوف عند علاقته بالشعر، فقد اشتغل الفنّان على ابتكار صيغة تجمع ما بين النص الشعري والتمثيلات التعبيرية المتخيّلة الناشئة عنه، كما في عمله "المعلّقات السبع". إلى جانب اشتغاله على العديد من النصوص لشعراء معاصرين؛ مثل سعدي يوسف، وأدونيس، ومحمد بنيس، وحليم بركات، ومظفّر النوّاب وغيرهم. لا بد من الإشارة هنا إلى أهمية الرسم في هذه التجربة، والذي يعتبره الفنّان رديفاً ومكملّاً للنص الشعري، وليس حالة تزيينية كما هو الأمر في تجارب كثيرة.
أمّا الأعمال التي تعكس تقاطع الفنّان وتفاعله مع صراعات البلاد العربية فهي كثيرة؛ نذكر منها أعمال "أيلول الأسود"، و"مجزرة تل الزعتر"، و"جدارية مجزرة صبرا وشاتيلا"، وما أنجزه من أعمال مشتركة مع الشعراء الفلسطينيين، وأيضاً في تجربته في السنوات العشر الأخيرة تحت ما يُسمى "بلاد السواد" التي تناولت العراق.
ولعلّ "جدارية مجزرة صبرا وشاتيلا"، هي الأبرز من ضمن هذه الأعمال التي ذكرناها سابقاً، حتى أنها أصبحت، مع نص المسرحي الفرنسي جان جينيه، وثيقة فنية خاصة ومرجعاً بصرياً رمزياً للمجزرة. الجدارية تجمّد الزمن في لحظة ما بعد فعل القتل وتذكّر كل من يراها، وهي مستقرّة في مكانها في "متحف التيت" البريطاني، بتراجيديا حدثت لكنها لا تزال مستمرة؛ فالقضية الفلسطنية بالنسبة إلى العزاوي هي المثال الأوضح على انعدام العدالة، وفي رأيه "لا تصبح العدالة الإنسانية حقيقية إلا عندما يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المسلوبة"، كما يقول في إحدى المقابلات.
وفيما يخص أعمال الفنّان العراقي النحتية، فإنها على قدرٍ عالٍ من التجريب، سواء أكان ذلك تجريباً على مستوى الأسلوب أو على مستوى التقنية، وهي وإن تقاطعت مع أعماله التصويرية، إلا أن مسارها مختلف من حيث النشأة والتطوّر، إذ تتحرّك منحوتاته ما بين الإخلاص للقيم التجريدية أو النزوح باتجاه التشخيص، وأحياناً يدمج الفنان بينهما.
الملفت في تجربة العزّاوي النحّات، وإن كان يعتبر نفسه رسّاماً في المقام الأول، هو استخدامه للألوان الصريحة في أعماله النحتية. آخر أعماله النحتية عمل يحمل عنوان "الشرق الساحر" المستقر في حديقة "متحف الفن الإسلامي" في قطر والذي يحاكي لعبة الأحصنة الدوّارة. يتألف العمل من أربعين حصاناً/ كرسياً مزخرفاً بوحدات مستمدة من فن الأرابيسك وملوّنة بألوان بهية وجذّابة.
معرضه الأول في بغداد تضمّن رسوم ملحمة كربلاء. وقتها، أطلق العزاوي صرخة احتجاح ضد الظلم وضد العنف في البلاد فترة الانقلابات العسكرية. اليوم، وبعد أكثر من خمسين عاماً، يكرّر العزّاوي صرخته في معرضه الاستعادي الأول من نوعه في المنطقة العربية، مقتبساً عنوانه "أنا الصرخة، أيّ حنجرة ستعرفني؟" من قصيدة للشاعر العراقي فاضل العزّاوي.
يُذكر أن حواراً مفتوحاً مع الفنّان سيتم تنظيمه في العاشرة من صباح الغد، الإثنين، في "المتحف العربي للفن الحديث"، حيث تناقش قيّمة المعرض، كاترين دافيد، العزاوي حول تاريخ الفن العربي وقضاياه وسيرته التشكيلية وتقاطع عمله مع التاريخ والسياسة والحروب والثقافة الفلكلورية والأساطير الشعبية.