"الدولة واقتصاد السوق": ماذا فعلت بنا الخصخصة؟

23 يناير 2017
محجوب بن بلة/ الجزائر
+ الخط -
كانت تجارب المرور من سياسات التخطيط الاقتصادي إلى سياسات الانفتاح منعرجاً عاشته بحدّة بلدان عربية كثيرة في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته. في ظلّ تواضع المجهود البحثي الاقتصادي والمؤلفات المتخصصة في هذا المجال في العالم العربي، لم تطرح هذه الحقبة وتبعاتها سوى في مجالات غير علمية مثل الرواية أو السينما أو كشفته المعارضة السياسية وأدبياتها.

يقدّم كتاب "الدولة واقتصاد السوق: قراءات في سياسات الخصخصة وتجاربها العالمية والعربية"، الصادر قبل أيام عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" لـ طاهر كنعان وحازم رحاحلة إضاءة على هذا التحوّل من زاوية العلوم الاقتصادية الحديثة.

يتضمّن الكتاب ثمانية فصول، يفسّر أولها الذي يحمل عنوان "حكمانية السوق في النظرية والمفاهيم الأساسية"، الأسس التي يجري بها تفسير ميكانيزمات تفاعل المؤسسات الاجتماعية والسياسية المشكّلة للسوق، وهو ما يفضي في الفصل الثاني؛ "الفضاء العام والفضاء الخاص في تجارب الدول" إلى دراسة علاقات تقسيم العمل بين الفضاءين العام والخاص.

أما في الفصل الثالث؛ "الخصخصة في التطبيق: بلدان اقتصاد السوق"، فيجري فحص تجارب بلدان كان اقتصاد السوق هو السائد فيها أصلاً ومن ثم يجري تبيان تطبيقات الخصخصة وأساليبها، وهو ما نجده أيضاً من زاوية مغايرة في الفصل الرابع، "الخصخصة في التطبيق: البلدان العابرة إلى اقتصاد السوق"، حيث يعرض المؤلفان تجارب بلدان التخطيط المركزي، ويوجزان تجارب بلدان وسط أوروبا وكومنولث الدول المستقلة التي سعت إلى العبور إلى اقتصاد السوق بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

الفصل الخامس يحمل عنوان "مقارنات بين تجارب الإصلاح الاقتصادي"، ويتضمّن إضاءة لتجربة روسيا ودول أوروبا الشرقية من جهة، وتجارب الصين وتايوان والهند من أخرى، وهنا يجد الباحثان فوارق بين الخصخصة المتسرّعة والتطوّر العضوي التدريجي، إذ يجري في عملية الخصخصة المتسرّعة التخلص من الملكية العامة بأسرع ما يمكن ولو بالتهاون الشديد في شروط البيع، وعدم الاهتمام بهيكلية الملكية الجديدة للشركة المخصخصة مقابل التطور العضوي الذي يهيّأ الشروط المواتية لتطوير القطاع الخاص مع فرض شروط صارمة لحسن الإدارة المالية للشركة المخصخصة.

بعنوان "الخصخصة في التطبيق: الدول العربية" يعالج الفصل السادس تجارب الخصخصة وتطبيقاتها في البلاد العربية، مع التركيز على التجربة المصرية. يبيّن الباحثان أن البلدان العربية واجهت ضغوطًا كبيرةً كي تنتهج سياسات الخصخصة، منها تزايد الأعباء المترتبة على الحكومات من جراء تنامي دورها في الحياة الاقتصادية إضافة إلى ضغوط خارجية دفعتها نحو المديونية، وهي أعراض سنجد تفصيلها في الفصل الموالي من خلال اتخاذ "التجربة الأردنية" كنموذج للدراسة.

يدرس الفصل الأخير، "المهمات التنموية للدولة والتحكم بالسوق بالسياسة الصناعية"، علاقة التحكم بالسوق بإنجاز المهمات التنموية للدولة والذي يبدو كخاتمة، حيث يؤكّد الباحثان على أنه "من الضروري أن يحافظ القطاع العام على مستوى رفيع من الاستقلالية عن المصالح الخاصة. لكن يجب ألّا تعني هذه الاستقلالية الضرورية العزلة عن التواصل المنضبط مع القطاع الخاص" ملاحظة يمكن قياس الاقتصاديات العربية من خلالها وتبيّن مواطن التقصير بشكل جلي.

المساهمون