يشكو العراقيون من الازدحام المروري الذي يُسجَّل في شوارع بغداد، خصوصاً. والازدحام الذي يعرقل حركتهم اليومية ويتسبّب في تعطيل أعمال بعضهم، يخلّف لديهم حالة من الضغط النفسي تؤثّر سلباً على حياتهم اليومية.
بدا الفرح واضحاً على العراقيّين بعدما أزيلت الحواجز الخرسانيّة من شوارعهم بعد أكثر من عشرة أعوام. إلا أن رفع هذه الحواجز الذي بدأ فعلياً قبل نحو عامين، وعلى الرغم من أهميته، لم يكن كافياً للقضاء على الازدحام المروري الذي تعاني منه العاصمة، ما يشير إلى وجود عوائق أخرى لا تقل تأثيراً عن الحواجز الكونكريتية، التي استعين بها لإغلاق طرقات وحماية المؤسسات الحكومية والمصارف والجامعات والمدارس وبيوت المسؤولين والشركات وعزل بعض الأحياء، حفاظاً على الأمن بعدما كانت البلاد تعيش وضعاً أمنياً متردياً خلال السنوات التي تلت غزوها في عام 2003، حتى إعلان القوات الأمنية سيطرتها على الأمن في البلاد نهاية ديسمبر/ كانون الثاني عام 2017.
"الحكومة هي السبب". هذا ما يقوله عدد من المواطنين خلال تعليقهم على أسباب الازدحام المروري، لا سيما وقت الذروة. ويرون أنه يتوجب على الحكومة وضع خطط واعتماد مواصلات حديثة ومتطورة. صالح جابر يقول إنه يذهب إلى عمله الواقع إلى جانب الكرخ من بغداد قبل ساعة من بدء الدوام الرسمي، علماً أن الوقت لا يتطلب أكثر من عشر دقائق. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "غالبية الموظفين سيستغنون عن سياراتهم الخاصة خلال التنقل، في حال أنشأت الجهات المسؤولة مترو الأنفاق الذي يعدوننا به منذ سنوات طويلة". ويؤكد أن المترو حل أمثل للازدحام المروري، إذ سيجعل نسبة كبيرة من المواطنين يستغنون عن التنقل بسياراتهم.
الناظر إلى التطور العمراني والبنى التحتية للعاصمة العراقية، سيجد أن أهم المشاريع الاستراتيجية والحيوية نفذت قبل أكثر من ثلاثة عقود، وقد هُيّئت لتتّسع لنحو ربع مليون سيارة، في وقت تسير في شوارع العاصمة اليوم أكثر من مليوني سيارة بحسب إحصائيات رسمية. ويقول عبد المجيد ريسان (76 عاماً)، الذي قضى 31 عاماً في قيادة حافلات وناقلات حكومية، وتقاعد قبل 15 عاماً، إن مهارته في القيادة أدت إلى خلو سجله من أية عقوبة أو غرامة مرورية سواء لدى قيادة سيارات الشركات الحكومية أو سيارته الخاصة. لكنه يؤكد لـ "العربي الجديد" أنه يشعر بانزعاج شديد حين يجلس خلف مقود السيارة منذ سنوات، بسبب "غياب نظام مروري حقيقي يفرض على السائقين الالتزام به". يضيف: "إشارات المرور لا تعمل. وإن وجدت، لا يلتزم بها سائقو السيارات. وفي الكثير من الأحيان، لا يكون لشرطي المرور أية سلطة في الشارع". ويقول مستغرباً: "بعض عناصر الشرطة يعمدون إلى ابتزاز السائقين المخالفين للحصول على رشوة في مقابل عدم تسجيل مخالفة أو غرامة بحقهم. وهذا يؤثر على سمعة شرطي المرور في البلاد". ويوضح ريسان: "ما من احترام للسير ولا التزام بالقوانين والتعليمات المرورية، ما يساهم في إرباك السير وحصول حوادث مرورية". ويُحمّل المسؤولية للجهات الحكومية، لافتاً إلى أن تلك المشاكل لم تكن موجودة سابقاً.
الباحثون عن عمل بدورهم يُحمّلون الحكومة مسؤولية ارتفاع نسبة البطالة في البلاد، في ظل قلة عدد الوظائف الحكومية وغير حكومية. ويرى كثيرون أنه ما من مشاريع استثمارية وخطط تطويرية لتشغيل الأيدي العاملة المحلية، ما دفع بعضهم للجوء إلى الشارع. لكنّ أي شارع يعدّ مناسباً للعمل؟ وأي عمل ستوفره هذه الشوارع؟
رافد مهدي الذي يتخذ زاوية شارع قريبة من أحد أسواق البيع بالجملة والتجزئة وسط العاصمة، يشير إلى أنه يضع بضاعته على أجزاء من الشارع، علماً أنه لا يدفع أية رسوم للبلدية. يضيف: "أدفع رشوة لمسؤولين صغار في البلدية وشرطي المرور المسؤول في الشارع". ما هي الرشوة التي يدفعها شاب بسيط يبلغ من العمر 21 عاماً حتى يستمر في بيع بضاعته في الشارع، وهي عبارة عن عطور ومستحضرات تجميل مقلدة زهيدة السعر؟ يقول مهدي لـ"العربي الجديد" إن "الرشوة هي زجاجة عطر سعرها لا يتجاوز نحو ثلاثة دولارات، لكنها تكفي لإسكات رجل المرور أو المسؤول البلدي عن الشارع يومين".
مهدي ليس الوحيد الذي يخالف القوانين الرسمية، بل يفعل مثله كثيرون للاستمرار في العمل، ما يؤدي إلى مزيد من الازدحام. من جهة أخرى، فإن آخرين يستفيدون من الازدحام المروري لكسب الرزق، على غرار الباعة الجوالين الذين يتوجهون نحو السيارات التي تسير ببطء، أو يقفون عند الإشارات المرورية لبيع بضاعتهم من سجائر أو قناني مياه الشرب أو العصائر أو المناديل أو الصحف أو المجلات وغيرها.
هؤلاء، وعلى الرغم من أنهم يعيقون حركة السير أحياناً، إلا أنهم يحظون بتعاطف الناس بسبب الفقر. ويقول عاملون في مديرية المرور العامة إن عوامل عدة تعيق القضاء على الازدحام المروري، ويتهمون جهات حكومية بالوقوف خلف هذه المشكلة. ويقول الرائد في المديرية عباس العبيدي إنّ "الحل بسيط لكن غير ممكن". ويوضح أن ما تحتاجه العاصمة للقضاء على الازدحام المروري هو مشاريع سكنية وخدماتية وصناعية وتجارية جديدة بعيدة عن مراكز العاصمة، إضافة إلى بناء شبكة طرقات حديثة ومزودة بأحدث أجهزة ووسائل الإرشاد المروري". ويبيّن أن "هذه الخطة في حال انتهجتها الحكومة ستقضي على الازدحام المروري، وتؤدي إلى خلق بيئة مدنية آمنة ونظيفة، وتساهم في القضاء على البطالة وأزمة السكن". ويؤكد أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى ازدحام في الطرقات البطالة وعشوائية السكن، موضحاً أن آلاف الباعة الجوالين يحتلون أجزاء من الشوارع، وقد اختاروا هذه المهن في ظل البطالة، فضلاً عن المساكن العشوائية التي تحتل مناطق عدة، ويتسبب وجودها في زيادة عدد السكان في بقعة صغيرة غير معدة للسكن". ويشير إلى أن "الفساد الإداري والمالي والمنافع الفئوية التي تسيطر على مؤسسات الدولة تعيق تنفيذ خطط تطويرية للبنى التحتية والخدماتية في البلاد، ما يعني استمرار الازدحام".