في خضمّ الاضطرابات التي تختلف طبيعتها في والويلات التي تخلّفها والتي أثّرت على كل قطاعات الحياة في أفغانستان، لا سيّما الاجتماعية، ثمّة مؤشرات إلى تحسّن في أحوال المجتمع، بعدما أكّد تقرير أممي أنّ نسبة تزويج الفتيات من أجل القضاء على العداوات الشخصية قد انخفضت بشكل ملحوظ وبقيت مقتصرة على بعض المناطق النائية.
ونشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أخيراً، تقريراً ضمّنته نتائج دراسة أعدّتها بالتنسيق مع وزارة العمل ووزارة شؤون المعوّقين والشهداء في عدد من الأقاليم الأفغانية، منها باميان وقندهار وبكتيا وغور وبادغيس. وقد أكّدت النتائج أنّ ثمّة انخفاضاً بنسبة 10 في المائة في زواج القاصرات في أفغانستان، غير أنّه ما زال متفشياً في مناطق مختلفة من البلاد، لا سيّما المناطق النائية والبعيدة وتلك التي يكون فيها مستوى التعليم منخفضاً.
وكشف التقرير أنّ ثمّة فرداً تزوّج قبل بلوغه سنّ الرشد في 42 في المئة من الأسر التي شملتها الدراسة، الأمر الذي يشير إلى أنّ ذلك النوع من الزواج ما زال موجوداً في كل مناطق البلاد، غير أنّ وتيرته انخفضت نسبياً، وفق ما تؤكد "يونيسف".
في هذا الإطار، يقول الحقوقي عبد الواحد رضوانزاي، إنّ "الإحصائية التي أعدّتها المؤسسة الأممية هي بادرة خير وهي تشير إلى تحسّن في الوضع. لكنّ السؤال يُطرح حول المناطق التي غطّتها الإحصائية. أظنّ، بحسب ما تشير المعطيات، أنّها أجريت في المدن، مع الإشارة إلى أنّ هذا الزواج شبه معدوم في المدن الرئيسية. هو موجود في الأساس ومتفشّ في الأماكن البعيدة النائية حيث مستوى التعليم ضعيف وحيث يعيش أهلها تحت وطأة الحرب". يضيف رضوانزاي أنّه "ما دامت الأسباب الرئيسية التي تقف وراء القضية موجودة، بالتالي فإنّها ستبقى قائمة. وأنا أخشى من تفاقمها، إذ إنّني لا أظنّ أنّ وتيرتها سوف تنخفض". ويتابع أنّ "من أبرز أسباب زواج القاصرات هو الفقر وانخفاض مستوى التعليم، علاوة على البطالة وفقدان الوعي لدى الآباء والأمهات الذين يرضون بتزويج بناتهم دون سنّ الرشد".
تجدر الإشارة إلى أنّ المادة رقم 71 من القانون المدني في أفغانستان تنصّ على ألا يكون الفتى عند الزواج دون 18 عاماً وألا تكون الفتاة دون 16 عاماً، غير أنّ ذلك لا يُراعى في البلاد، والمعضلة ليست وليدة السنوات الأخيرة بل هي موجودة منذ القدم.
وقد ذكر تقرير "يونيسف" أنّ المنظمة تسعى بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية المعنية، لا سيّما مع الحكومة الأفغانية، إلى تعديل سنّ زواج الفتاة في القانون الأفغاني من 16 عاماً إلى 18، إلا أنّ رضوانزاي يرى أنّ "تزويج الفتيات اللواتي يبلغن 16 عاماً مقبول في المجتمع الأفغاني، لكنّ المؤسف هو أنّ زواج القاصرات في أفغانستان يشمل عادة من هنّ دون 16 عاماً". ويشيد بدور المنظمة، مشيراً إلى أنّ "تعديل السنّ أمر جيد وضروري، إذ إنّ زواج القاصرات يؤدّي في الغالب إلى حرمان الفتيات من التعليم، وإلى مشكلات اجتماعية كثيرة".
إلى ذلك، تبيّن الدراسة أنّ حالات زواج القاصرات بمعظمها هي بيد الآباء وليس الأمهات، وأنّ الآباء في 78 في المائة من الأسر يقررون بشأن مستقبل بناتهم وأبنائهم. وتؤكد أنّ البنات والأبناء على حدّ سواء لا يُسألون في معظم تلك الأسر حول اختيار شريك الحياة، وعليهم - خصوصاً البنات - الرضوخ لقرارات الآباء من دون إبداء الرأي.
من جهته، يوافق الزعيم القبلي في مديرية مهمند دره بإقليم ننجرهار، عبد الوهاب خان، كلياً مع ما تضمّنه تقرير "يونيسف" الأخير، مشيراً إلى أنّ "ثمّة تغييراً كبيراً في ما يخص القضايا الاجتماعية على الرغم من الحروب والويلات. فالأبناء لا يوافقون في هذه الأيام، بعدما وصل التعليم إلى القرى والأرياف، الآباء في كل تدخّلهم في شؤون الزواج. أمّا البنات، فهنّ يواجهنَ مشكلات كبيرة في هذا الخصوص، في حين يُسجّل تغيّر ملحوظ. هنّ بدأنَ يبدينَ رأيهنّ، خصوصاً الجيل الجديد، أو جيل المدارس". ويرى أنّ "فرار الفتيات بعد الزواج، خصوصاً اللواتي تزوجنَ قبل سنّ الرشد قد أقلق الآباء، وبالتالي انخفضت وتيرة زواج القاصرات فعلاً إلى حد كبير". وإذ يلفت إلى أنّ "زواج القاصرات يترافق مع أضرار اجتماعية، كحرمانهنّ من التعليم، وصحية كإصابتهنّ بحالات عدّة"، يتحدّث عن "خلافات وخصومات كبيرة بين الأسرتَين تؤدّي أحياناً إلى مقتل أشخاص عدّة من الطرفَين".
في السياق، كان وزير الشؤون الاجتماعية فيض الله ذكي، قد علّق خلال مؤتمر صحافي خاص على تقرير "يونيسف"، قائلاً إنّ الحكومة الأفغانية تسعى جاهدة ومن خلال كل الوسائل إلى وضع حدّ لزواج القاصرات، ولا سيّما أنّه يؤدّي إلى وقوع أضرار اجتماعية كبيرة أخرى. أضاف أنّ الحكومة تطلب من كل المؤسسات الدولية ومن زعماء القبائل وعلماء الدين أن يؤدّوا دورهم في هذا الخصوص.