الدركي مارون عبد الرحمن

23 يونيو 2015
كلّف بتسهيل المرور ومنع الوقوف (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
ولد الدركي مارون عبد الرحمن باسمه (الافتراضي المستعار) هذا لأنّ والدته التي لم يدم لها حمل، وكانت تعيش في منطقة مختلطة طائفياً في إحدى ضواحي بيروت ما قبل الحرب الأهلية، أسمته باسم قديس بمشورة من جارتها.

أما صفة الدركي فاكتسبها بعد ذلك بثمانية عشر عاماً، عندما انخرط عام 1985 بالسلك العسكري، وتحديداً في قوى الأمن الداخلي، بعد توقف حروب، وقبل تجدد حروب أخرى.
أمضى مارون سنواته الأولى متلطياً في الثكنات، مع كثيرين مثله. وإذا تسنى لهم فرض القانون يوماً، بعيداً عن مرافقة المسؤولين والتعرض قبلهم للتفجيرات، فلا يتعدى الأمر تسهيل المرور عند أحد التقاطعات الكبرى في بيروت الغربية. ففرض القانون كان منوطاً بقوى أخرى، من ميليشيات متنوعة القوانين.

انتظر مارون سنوات عديدة حتى نال مجده. فابتداء من عام 1995 أصبح برتبة معاون أول، مع ما احتسب له من ترقيات سريعة استدعتها الحرب التي انتهت قبلها بأعوام قليلة. كما كلّف بتسهيل المرور ومنع الوقوف في واحد من أكثر الشوارع حيوية في العاصمة التي كانت تعيش حمّى إعادة الإعمار، وتجهيز المنشآت الرياضية استعداداً لدورة الألعاب العربية.

عمل مارون استمر نحو ثماني سنوات حتى تقاعده برتبة "ثري" هذه المرة، بعيداً عن رتبته العسكرية. فالرجل الذي أنجز المسؤولية المرمية على عاتقه، لم يكن يتجاوز السادسة والثلاثين من عمره، عندما غادر المؤسسة الأمنية بتعويض تقاعدي تلحق به خدمات طبية وبدلات مدرسية مرفقة.

هذا على المستوى الرسمي، أما غير ذلك فمنزل بناه في قريته، ومبنى من ثلاث طبقات في حيّه، وشقة اشتراها في مصيف قريب من العاصمة، وسيارة، ومبالغ غير معلومة في حساب مصرفي.

السيطرة على الشارع كانت لدى مارون مصدر رزقه البعيد عن راتب الدولة. فدفتر محاضر المخالفات في يده كان مجهزاً على الدوام بالرقم والتاريخ واسم المحلة والشارع والإمضاء، فلا يبقى إلاّ أن يملأ بعض الخانات الخاصة باسم المخالف وإمضائه ونوع سيارته ورقمها.

تسجيل المخالفات كلاسيكي بالنسبة للدرك، لكنّ مارون كان يسجل المخالفة ويعرض على من وقعت عليه أن يبادر هو بنفسه إلى إتمام معاملتها في الدائرة المخصصة، موفراً على السائق وقتاً كثيراً، ومتحصلاً لنفسه على ما يعادل قيمة المخالفة أو يتجاوزها أحياناً.

ملأ مارون جيوبه، لكنّه لم يكن يعلم أنّ قانوناً جديداً للسير سيصدر وترتفع المخالفات الصغيرة فيه من 15 ألف ليرة لبنانية (10 دولارات أميركية) إلى 150 ألف ليرة (100 دولار). هو يتحسر اليوم على عمر مضى، ويمنّي النفس لو يعود لعام واحد فقط إلى شارعه المملكة.

إقرأ أيضاً: قانون "عكس السير" في لبنان
دلالات
المساهمون