غارات على أعراس ومآتم أفغانستان

24 أكتوبر 2018
ربما تنغّص الغارات فرحتها (باولا برونشتاين/ Getty)
+ الخط -
ارتفعت وتيرة الغارات الجوية الأميركية والأفغانية في مختلف أرجاء أفغانستان، وخصوصاً في مناطق الجنوب، لتصبح شبه يومية. المواطنون أكبر ضحايا تلك الغارات، وخصوصاً أنه في بعض الأحيان وبسبب معلومات استخبارية خطأ، تستهدف حفلات الزفاف ومراسم العزاء، التي ازدادت أخيراً، وخصوصاً مع استمرار وجود "طالبان" داخل القرى والأرياف واتخاذهم منها منطلقاً للعمليات ضد القوات المسلحة الأفغانية والأميركية، التي تردّ أحياناً بغارات عشوائية تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمواطنين.

في الأيام الأخيرة، أثيرت قضية استهداف حفل زفاف في إقليم قندهار جنوب أفغانستان، أدى إلى مقتل ثلاث نساء وطفل، بالإضافة إلى إصابة 30 شخصاً من المشاركين، من بينهم العروس التي تلقت إصابات خطيرة. وفي التفاصيل، بدأت طائرة أميركية من دون طيار (درون) قصف موكب للمواطنين في منطقة خوجياني بمديرية معروف في إقليم قندهار بالصواريخ، وهو في طريقه من منزل العروس إلى منزل العريس الواقع في القرية المجاورة، ثم حضرت بعد دقائق مروحيات أميركية وشاركت في قصف الموكب.




في هذا الخصوص، يقول شقيق العروس عبد الواحد، إنّ الطائرات الأميركية حولت الفرح إلى عزاء وقتلت العديد من المشاركين وأصابت آخرين، وهي تدري أنّ الموكب يعود لمواطنين عزّل. يضيف عبد الواحد أنّ سيارات ودراجات نارية كانت في الموكب، واستهدفت في منتصف الطريق إلى بيت العريس.

من جانبه، يؤكد الناطق باسم الحكومة المحلية في قندهار ضياء دراني، مقتل أربعة مدنيين، لكنه يشير في المقابل إلى أنّ المدنيين قتلوا عند وقوع مواجهات بين "طالبان" وقوات الجيش الأفغاني. من جهتهم، يرفض سكان المنطقة وشهود الحادث الرواية الحكومية بالكامل.

يقول عبد الواحد، تعليقاً على موقف الحكومة، إنّ ما قاله الناطق باسم الحكومة لا أساس له وغير مقبول، رافضاً كلّ الرفض وقوع أي نوع من المواجهات، لافتاً في الوقت نفسه، إلى أنهم أمضوا عدة ساعات كي يوصلوا جرحاهم إلى مدينة قندهار من دون أن تساعدهم الحكومة في نقلهم.

في قصة مماثلة وقعت الشهر الماضي في مديرية تكاب بإقليم كابيسا المجاور للعاصمة كابول، قتل تسعة أشخاص عندما استهدفت الطائرات الحربية الأميركية منزلاً كان يشهد حفل زفاف، ما أدى أيضاً إلى تدمير المنزل وإصابة عدد من المشاركين.

بالتزامن مع هذا الحادث، وقعت في تكاب أيضاً، مداهمات ليلية من القوات الخاصة الأفغانية، وجرى تفجير أبواب عدد من المنازل واعتقال المواطنين بتهمة ولائهم لطالبان أو لكونهم من مسلحي الحركة. يقول، أحمد ولي خان أحد سكان مديرية تكاب، إنّ المعضلة الأساسية التي تتعاظم في هذه الأيام هي قتل المدنيين العزل وتزايد أعداد قتلاهم، المتزامن مع لا مبالاة الحكومة والقوات الأميركية، مشيراً إلى أنّ استهداف حفل الزفاف أدى إلى مقتل تسعة أشخاص.

يلقي خان اللوم على الحكومة الأفغانية، التي باتت صامتة إزاء هذه الأحداث الدموية التي تولّد العنف وتتسبب في استمرار دوامة الحرب في البلاد، لأنّ أهالي الضحايا وذويهم لا يجدون طريقة للانتقام من مرتكبي هذه الجنايات سوى اللجوء إلى الجماعات المسلحة، وهو ما يعزز نفوذها في تلك المناطق، ويحصّن موقفها تجاه الحكومة والأميركيين، ويؤدي إلى فشل عمليات محاصرتها والقضاء على تمددها.

يذكر الرجل أنّ "طالبان" والجماعات المسلحة كذلك لا ترحم الشعب، إذ يشارك مقاتلوها في حفلات الزفاف، وتستهدف القوات الأميركية والأفغانية الحفلات بهذه الذريعة.

ليست حفلات الزفاف وحدها المستهدفة، بل مراسم العزاء أيضاً وهو ما يثير غضب الأفغان وقلقهم. كما يثير صمت الحكومة هذا القلق، إذ باتوا يدركون جيداً أنّ القوات الأميركية لا تتأثر أبداً بقتل المدنيين وبردود الفعل، لكنّ المواطنين يتوقعون من الحكومة أن تقف إلى جانبهم، وتدين الغارات الجوية التي تستهدف المدنيين والمناسبات الاجتماعية والأهلية الآمنة، على أقل التقدير، لكنّ ذلك لا يحدث عادة. تلتزم الحكومة في الغالب الصمت، لكنّها مع ذلك تبادر، في بعض الأحيان، وخصوصاً إذا ما واجهت ضغوطاً شعبية وسياسية متزايدة، إلى إدانة تلك الغارات. وفي المقابل، تعد باتخاذ الحيطة في المستقبل، أو التباحث بشأن ذلك مع القوات الأميركية.




بمرور الأيام، تثبت الحكومة الأفغانية أنّ كل تلك الوعود ليست أكثر من حبر على ورق، فحفلات الزفاف ومناسبات العزاء مستهدفة باستمرار، وما زالت أرقام الضحايا ترتفع في كلّ مناسبة، حتى بات تنظيم الأعراس والمآتم من أخطر النشاطات في أفغانستان.