يثار الجدال مرة بعد أخرى حول نبات القنب الهندي المخدر وإمكانية زراعته للاستفادة منه طبياً. فما وجهة النظر القانونية في زراعة واستهلاك القنب الهندي من الناحية الطبية حصراً؟
يتساءل الفيلسوف والصحافي الفرنسي أندريه فروسار عمّا إذا كان كارل ماركس قد أحسن "توصيف الدين بأفيون الشعوب"، معتبراً أنّ "الواقع اليوم يحتم القول إنّ الأفيون هو في الحقيقة الدين المشترك للشعوب"، باعتباره مكوناً اجتماعياً مشتركاً بين المجتمعات المتعددة الثقافات من جهة، وبين أبناء المجتمع الواحد على اختلاف مشاربهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
هذه المقاربة، وإن كانت مقبولة شكلاً، لا يمكن الركون إليها لتبرير استخدام منتجات القنب الهندي، كحشيشة الكيف والماريجوانا، بطريقة غير منظمة. في الواقع، تبيّن غالبية الدراسات الاجتماعية أنّ سوء استعمال هذه النبتة قد يجعل بعض المستهلكين مصابين بنوبات تعب، مروراً بفقدان القدرة على التركيز، وصولاً إلى إرهاق جسدي ونفسي دائم يرتب عليها آثاراً اجتماعية سيئة كاللجوء إلى مخدرات أكثر سلبية في نتائجها، الأمر الذي قد يؤدي إلى انحلال أخلاقي مجتمعي، وازدياد في الأمراض النفسية الخطيرة كالبارانويا (الارتياب) والشيزوفرينيا (الفصام).
الخوف من هذه الآثار دفع غالبية الدول إلى منع استخدام هذه النبتة خارج أيّ إطار قانوني، لكنّ بعضها أعطى للمواطن الحق في زراعة واستهلاك النبتة ضمن حدود معينة كما هي الحال في جمهورية التشيك وهولندا، أو منحته الحق في زراعتها لغاية الاستهلاك الشخصي الحصري تحت طائلة الملاحقة الجزائية، كما هي الحال في إسبانيا. باستثناء ذلك، فإنّ أورغواي كانت الأولى في السماح باستهلاك النبتة من دون أيّ حدود، وتبعتها ولايات كولورادو، واشنطن، ألاسكا، أوريغون، ماين، نيفادا، ماساشوستس، وكاليفورنيا في الولايات المتحدة.
في المقابل، تبقى نبتة القنب الهندي نتاج الطبيعة وهي قد تكون، من هذا المنطلق، أداة مفيدة إذا ما جرى استثمارها بطريقة علمية إيجابية، لا سيما في إطار طبي، وهو أمر اعتمده العديد من الدول الأوروبية والأميركية كهولندا، ألمانيا، إيطاليا، فنلندا والبيرو. أما في فرنسا فالموضوع يبقى في إطار الجدل الدائم.
اعتبرت الاتفاقية الموحدة حول المخدرات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة لسنة 1961 القنب الهندي من المواد الخطيرة جداً ذات الأثر الإيجابي المعدوم، لكنّ الواقع يشير إلى أنّ النقاش حول الخصائص الطبية للقنب الهندي شبه منتهٍ، فالدراسات بينت أنّها تساعد في علاج الأوجاع المستديمة والتشنجات العصبية الناتجة عن مرض التصلب اللويحي، وتساهم أيضاً في إعادة الشهية إلى المصابين بمرضي الإيدز والسرطان. كذلك، تشير الدراسات العلمية إلى انتظار نتائج مخبرية إيجابية حول إمكانية استخدامها في علاج مرضي ألزهايمر والوسواس القهري.
اقــرأ أيضاً
استخدام القنب الهندي لغايات طبية يوجب في البداية موافقة جميع مكونات المجتمع على الأمر، فالتنوع الثقافي والديني في إطار المجتمع الواحد قد يشكل عائقاً أمام هذا المشروع، وهو ما حصل في بلغاريا، إذ رفض البرلمان التصديق على مشروع قانون قدم من الحكومة في هذا الخصوص سنة 2016. استخدام القنب الهندي في إطار طبي يستلزم إيجاد آلية قانونية تبدأ بتنظيم زراعته، بتوكيل شركات خاصة أو هيئات عامة متخصصة في تصنيع الدواء، التصنيع الطبي، وصولاً إلى وضع رقابة شديدة على وسائل التوزيع والبيع المباشر إلى المستهلك.
من ناحية الزراعة، فإنّ بعض الدول، وإن كانت قد شرعت الأمر طبياً، إلّا أنّها أبقت على منع زراعة النبتة تحت طائلة عقوبات جزائية. هذا النهج اعتمدته ألمانيا مؤخراً، إذ تستخدم منتجات دولة أخرى في الحاجة الطبية المحلية. أما النمسا فقد أوكلت إلى هيئة حكومية خاضعة لوزارة الصحة الاختصاص الحصري في إنتاج الحشيش الطبي.
في ما يرتبط بجهة التصنيع، ولكون هذه المواد مضرّة بالصحة، فإنّه لا بد من إخضاع تصنيعها لقوانين وآليات تصنيع الأدوية الطبية، ومن هنا وجوب اطلاع الهيئات الحكومية بصورة دورية على جردة بالمبيعات والموجودات. أما من ناحية التوزيع والبيع، فإنّ اتفاقية فيينا لسنة 1971 حول المواد ذات التأثير النفسي، واتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1988 المرتبطة بمنع الاتجار غير المشروع بالمواد المخدرة، توجبان إخضاع عمليات الاستيراد والتوزيع الدوليين والتوزيع الداخلي في الدول إلى تراخيص مسبقة محددة من الناحية الزمنية، على أن يتضمن الترخيص بصورة إلزامية تحديد طبيعة، وكمية، وطريقة نقل القنب الهندي، واسم الناقل والموزع، الأمر الذي يخضع لرقابة جمركية صارمة. من هنا ضرورة الانضمام
إلى هذه الاتفاقيات أو إدخال أحكامها في إطار قوانين الصحة الداخلية للدول.
نشير إلى أنّه في الدول التي شرعت استخدام القنب الهندي لغايات طبية، فإنّ الأمر ترافق مع اعتبار المنتج منتجاً طبياً صرفاً، الأمر الذي يترتب عليه ألّا يوضع في البيع في الأماكن العامة، وأن تكون عملية البيع خاضعة لوصفة طبية بناء على تشخيص طبي مسبق من جهة. ومن جهة أخرى، فإنّ النفقات الطبية المدفوعة في هذا الإطار يجب أن تغطيها تقديمات الضمان الاجتماعي، كما تتسارع شركات التأمين إلى أخذ هذه الكلفة الإضافية عند تحديد أقساط التأمين.
اقــرأ أيضاً
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الدول التي تنوي زراعة القنب الهندي لأغراض طبية يتوجب عليها مواكبة هذا الأمر ببرامج ثقافية توعوية تحث على عدم اللجوء إلى التطبيب الذاتي عبر استخدامه بصورة تلقائية من دون وصفة طبية، أو استخدامه بصورة مفرطة مما قد يؤدي الى خطر الإدمان اليومي، كما أنّ عليها أن تؤسس هيئات صحية لمكافحة آثار الإدمان في حال فشل برامج التوعية الصحية.
من ناحية أخرى، يتوجّب على الدول التي ستشرع زراعة القنب الهندي لأغراض طبية أن تلجأ إلى تحديث قوانينها الجزائية عبر إلغاء الملاحقة الجزائية في حالة الاستهلاك الشخصي المبسط، أو عبر تخفيض العقوبة المنصوص عنها قانوناً من الحبس إلى الغرامة من جهة، وإدخال آليات تعطي النيابة العامة الحق في تعليق تحريك دعوى الحق العام على الرفض الإرادي من قبل الشخص الملاحق بمتابعة فترة علاج طبي، أو عدم رضوخه لأمر قضائي يلزمه العلاج من الاستخدام المفرط للقنب الهندي، من جهة أخرى.
يبقى القول إنّ المخدرات في مختلف أنواعها شيطان مخبأ في عبوة من الأفضل الإبقاء عليه مسجوناً فيها.
(دكتور في القانون ومحامٍ بالاستئناف في باريس)
هذه المقاربة، وإن كانت مقبولة شكلاً، لا يمكن الركون إليها لتبرير استخدام منتجات القنب الهندي، كحشيشة الكيف والماريجوانا، بطريقة غير منظمة. في الواقع، تبيّن غالبية الدراسات الاجتماعية أنّ سوء استعمال هذه النبتة قد يجعل بعض المستهلكين مصابين بنوبات تعب، مروراً بفقدان القدرة على التركيز، وصولاً إلى إرهاق جسدي ونفسي دائم يرتب عليها آثاراً اجتماعية سيئة كاللجوء إلى مخدرات أكثر سلبية في نتائجها، الأمر الذي قد يؤدي إلى انحلال أخلاقي مجتمعي، وازدياد في الأمراض النفسية الخطيرة كالبارانويا (الارتياب) والشيزوفرينيا (الفصام).
الخوف من هذه الآثار دفع غالبية الدول إلى منع استخدام هذه النبتة خارج أيّ إطار قانوني، لكنّ بعضها أعطى للمواطن الحق في زراعة واستهلاك النبتة ضمن حدود معينة كما هي الحال في جمهورية التشيك وهولندا، أو منحته الحق في زراعتها لغاية الاستهلاك الشخصي الحصري تحت طائلة الملاحقة الجزائية، كما هي الحال في إسبانيا. باستثناء ذلك، فإنّ أورغواي كانت الأولى في السماح باستهلاك النبتة من دون أيّ حدود، وتبعتها ولايات كولورادو، واشنطن، ألاسكا، أوريغون، ماين، نيفادا، ماساشوستس، وكاليفورنيا في الولايات المتحدة.
في المقابل، تبقى نبتة القنب الهندي نتاج الطبيعة وهي قد تكون، من هذا المنطلق، أداة مفيدة إذا ما جرى استثمارها بطريقة علمية إيجابية، لا سيما في إطار طبي، وهو أمر اعتمده العديد من الدول الأوروبية والأميركية كهولندا، ألمانيا، إيطاليا، فنلندا والبيرو. أما في فرنسا فالموضوع يبقى في إطار الجدل الدائم.
اعتبرت الاتفاقية الموحدة حول المخدرات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة لسنة 1961 القنب الهندي من المواد الخطيرة جداً ذات الأثر الإيجابي المعدوم، لكنّ الواقع يشير إلى أنّ النقاش حول الخصائص الطبية للقنب الهندي شبه منتهٍ، فالدراسات بينت أنّها تساعد في علاج الأوجاع المستديمة والتشنجات العصبية الناتجة عن مرض التصلب اللويحي، وتساهم أيضاً في إعادة الشهية إلى المصابين بمرضي الإيدز والسرطان. كذلك، تشير الدراسات العلمية إلى انتظار نتائج مخبرية إيجابية حول إمكانية استخدامها في علاج مرضي ألزهايمر والوسواس القهري.
استخدام القنب الهندي لغايات طبية يوجب في البداية موافقة جميع مكونات المجتمع على الأمر، فالتنوع الثقافي والديني في إطار المجتمع الواحد قد يشكل عائقاً أمام هذا المشروع، وهو ما حصل في بلغاريا، إذ رفض البرلمان التصديق على مشروع قانون قدم من الحكومة في هذا الخصوص سنة 2016. استخدام القنب الهندي في إطار طبي يستلزم إيجاد آلية قانونية تبدأ بتنظيم زراعته، بتوكيل شركات خاصة أو هيئات عامة متخصصة في تصنيع الدواء، التصنيع الطبي، وصولاً إلى وضع رقابة شديدة على وسائل التوزيع والبيع المباشر إلى المستهلك.
من ناحية الزراعة، فإنّ بعض الدول، وإن كانت قد شرعت الأمر طبياً، إلّا أنّها أبقت على منع زراعة النبتة تحت طائلة عقوبات جزائية. هذا النهج اعتمدته ألمانيا مؤخراً، إذ تستخدم منتجات دولة أخرى في الحاجة الطبية المحلية. أما النمسا فقد أوكلت إلى هيئة حكومية خاضعة لوزارة الصحة الاختصاص الحصري في إنتاج الحشيش الطبي.
في ما يرتبط بجهة التصنيع، ولكون هذه المواد مضرّة بالصحة، فإنّه لا بد من إخضاع تصنيعها لقوانين وآليات تصنيع الأدوية الطبية، ومن هنا وجوب اطلاع الهيئات الحكومية بصورة دورية على جردة بالمبيعات والموجودات. أما من ناحية التوزيع والبيع، فإنّ اتفاقية فيينا لسنة 1971 حول المواد ذات التأثير النفسي، واتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1988 المرتبطة بمنع الاتجار غير المشروع بالمواد المخدرة، توجبان إخضاع عمليات الاستيراد والتوزيع الدوليين والتوزيع الداخلي في الدول إلى تراخيص مسبقة محددة من الناحية الزمنية، على أن يتضمن الترخيص بصورة إلزامية تحديد طبيعة، وكمية، وطريقة نقل القنب الهندي، واسم الناقل والموزع، الأمر الذي يخضع لرقابة جمركية صارمة. من هنا ضرورة الانضمام
إلى هذه الاتفاقيات أو إدخال أحكامها في إطار قوانين الصحة الداخلية للدول.
نشير إلى أنّه في الدول التي شرعت استخدام القنب الهندي لغايات طبية، فإنّ الأمر ترافق مع اعتبار المنتج منتجاً طبياً صرفاً، الأمر الذي يترتب عليه ألّا يوضع في البيع في الأماكن العامة، وأن تكون عملية البيع خاضعة لوصفة طبية بناء على تشخيص طبي مسبق من جهة. ومن جهة أخرى، فإنّ النفقات الطبية المدفوعة في هذا الإطار يجب أن تغطيها تقديمات الضمان الاجتماعي، كما تتسارع شركات التأمين إلى أخذ هذه الكلفة الإضافية عند تحديد أقساط التأمين.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الدول التي تنوي زراعة القنب الهندي لأغراض طبية يتوجب عليها مواكبة هذا الأمر ببرامج ثقافية توعوية تحث على عدم اللجوء إلى التطبيب الذاتي عبر استخدامه بصورة تلقائية من دون وصفة طبية، أو استخدامه بصورة مفرطة مما قد يؤدي الى خطر الإدمان اليومي، كما أنّ عليها أن تؤسس هيئات صحية لمكافحة آثار الإدمان في حال فشل برامج التوعية الصحية.
من ناحية أخرى، يتوجّب على الدول التي ستشرع زراعة القنب الهندي لأغراض طبية أن تلجأ إلى تحديث قوانينها الجزائية عبر إلغاء الملاحقة الجزائية في حالة الاستهلاك الشخصي المبسط، أو عبر تخفيض العقوبة المنصوص عنها قانوناً من الحبس إلى الغرامة من جهة، وإدخال آليات تعطي النيابة العامة الحق في تعليق تحريك دعوى الحق العام على الرفض الإرادي من قبل الشخص الملاحق بمتابعة فترة علاج طبي، أو عدم رضوخه لأمر قضائي يلزمه العلاج من الاستخدام المفرط للقنب الهندي، من جهة أخرى.
يبقى القول إنّ المخدرات في مختلف أنواعها شيطان مخبأ في عبوة من الأفضل الإبقاء عليه مسجوناً فيها.
(دكتور في القانون ومحامٍ بالاستئناف في باريس)