بشار النهر: علاج الأسنان دون ألم ليس مستحيلاً

05 نوفمبر 2014
الطبيب العراقي بشار النهر(كاتيا يوسف)
+ الخط -

خلال دراسته الجامعيّة، استهوت السياسة بشّار النهر. فانخرط في العمل السياسيّ وراح يمارس أنشطة حزبيّة. وقد بلغ به الأمر تولي أهمّ المناصب السياسيّة في العراق، الذي عاد إليه تاركاً عيادته في بريطانيا.
هناك، لعبت اللغة الإنجليزيّة دورها الإيجابي. فكان المسؤولون الأجانب، يتوجّهون إليه قبل سواه من المسؤولين.
وما هي إلا أشهر حتى اكتشف النهر زيف عالم السياسة. فأسرع عائداً إلى بريطانيا وطبّ الأسنان، لتحقيق طموحه في الحياة: "إنقاذ حياة إنسان".

- بداية، كيف تعرّف نفسك باختصار؟

ولدت في العراق في عام 1962. وكان لوالدي، شامل النهر، أثر كبير في حياتي. هو أمدّني دوماً بالدعم وزرع في داخلي الطموح وحبّ تطوير الذات. درست طبّ الأسنان في بريطانيا، وحزت براءة اختراع. لكن مهنتي اهتزّت بعد انجراري إلى عالم السياسة، غير أنني ما لبثت أن عدت بشغف إلى ميدان الطبّ.
في عام 1989، سافرتُ إلى إيرلندا، التي كانت تتخبّط في حرب أهليّة. وساعدتُ هناك في علاج العديد من الأشخاص في مجال جراحة الفكّ والفم، وهو ما عزّز خبرتي الطبيّة.

- وصلتَ إلى بريطانيا وأنت في التاسعة من عمرك. ما هي الصعوبات التي واجهتَها أو التي شكّلت عقبة أمامك في تلك المرحلة؟

اللّغة كانت، ومن دون شك، العائق الرئيسيّ. لم أكن أنطق بكلمة واحدة باللغة الإنكليزيّة، وقد وضعوني في صفوف خاصة بالتلاميذ، الذين يعانون بُطْأً في التعلّم. أزعجني ذلك، وأردت إثبات ذاتي وتفوّقي، وهو ما خلق في داخلي حالة تحدّ.
وبدايتي المتأخّرة أثّرت سلباً على قبولي في المدارس الجيّدة. فتنقّلتُ من مدرسة إلى أخرى، وكانت مدارس دون المستوى المطلوب، إلى حين بلوغي المرحلة الثانويّة. في ذلك الوقت، التحقتُ بمدرسة ذات مستوى متميّز عال.
لطالما حلمت أن أصبح طبيباً جرّاحاً، بيد أنّ درجات المرحلة التكميليّة لم تكن بالمستوى، الذي يؤهّلني إلى التقدّم للانتساب إلى الجامعات الطبيّة. فأرسلتُ طلبات انتساب إلى جامعات طبّ الأسنان خوفاً من خسارة فرصتَين بدلاً من واحدة.
لكن درجات المرحلة الثانوية جاءت مميّزة، وكان في استطاعتي الالتحاق بالجامعات الطبيّة لو قدّمتُ طلبات انتساب إليها. أمام هذا الواقع، اقتنعتُ بفكرة دراسة طبّ الأسنان، خصوصاً بعدما تمّ قبولي في أهمّ جامعتَين في بريطانيا. وتابعتُ في النهاية دراستي في جامعة "غايز هوسبيتال دنتال سكول" في لندن.

- حصلتَ على براءة اختراع طريقة تجعل علاج الأسنان عمليّةً من دون ألم. متى كان ذلك؟

بداية، أقرّ قسم علم النفس في كليّة لندن الجامعيّة، "يو سي إل"، أنّ طريقة العلاج تلك جديدة ومبتكرة. ومن بعدها منحتني الجهة المختصّة براءة الاختراع لـ"الطريقة المؤنسة لطبّ الأسنان" (Enjoyable Dentistry Techniques) رسمياً في عام 2003.

- ما الذي دفعك إلى ابتكار هذه الطريقة؟

كنت مولعاً بالقضايا النفسيّة والروحيّة، وأؤمن بالتطوّر الذاتي من أيام الدراسة الجامعيّة. غير أن الوقت لم يسمح لي بالتركيز على ذلك، إلا بعد التخرّج. فالتحقتُ بدورات تدريبيّة حول البرمجة اللغويّة العصبيّة، وكذلك في مجال التنويم المغنطيسي. والهدف هو الغوص في الجانب النفسيّ للمريض.

- هل من الممكن أن تشرح لنا مراحل العلاج المتّبعة، التي تذهب بالمريض إلى عالم من السرور والرضا عوضاً عن الشعور بالألم؟

قبل كل شيء، من المهمّ أن أكسب ثقة المريض. وقد يبدأ ذلك في مرحلة تسبق زيارة العيادة أحياناً، من خلال شهادات المرضى، الذين جرّبوا العلاج وتوصياتهم، أو من خلال الاطلاع على الطريقة على مواقع الإنترنت. بعدها، ينبغي توفير حالة من الأمان والاطمئنان للمريض في خلال وجوده في العيادة، وذلك عبر شرح حالته بصراحة وعرض ما يعانيه من مشاكل وتقديم الحلول، وشرح سلبيات الطرق المعتمدة وإيجابياتها، وما هو ضروريّ ولا يحتمل التأجيل وما هو غير طارئ. ومن ثم أترك للمريض حريّة اختيار نمط العلاج.
وبعد التأكّد من راحة المريض نفسياً، أستخدم نوعاً من المخدّر أو ما يمكن تسميته شبه تخدير. فيتنشّق المريض نسبة 65 في المائة من الأوكسجين و35 في المائة من أكسيد النيتروس. حينها، يصبح في حالة استرخاء، وأبدأ بالكلام أي بالبرمجة اللغويّة العصبيّة، وأعطيه تعليمات لنقله إلى عالم آخر من خلال بعض الإيحاءات. وغالباً ما أصطحب المريض إلى حديقة في الخيال، وذلك بالاعتماد على دراستي في التنويم المغناطيسي. وبعدها أبدأ بعلاج الأسنان.

- كم تستغرق هذه العمليّة؟ وما مدى فعاليّتها؟

لا تتطلّب العمليّة أكثر من ربع ساعة. وقد نجحت بنسبة تتراوح ما بين 90 و95 في المائة. فالمرضى لم يشعروا بالألم وكانوا في حالة رضا. وغالباً ما يسأل المرضى، الذين يقصدونني: لماذا لا يستخدم كل أطبّاء الأسنان الطريقة ذاتها؟
من جهتي، نظّمتُ دورات تدريبيّة ودرّست طرق العلاج المبتكرة. بيد أنّ عدداً كبيراً من الأطبّاء لا يرغبون في استخدام "الطريقة المؤنسة لطب الأسنان"، لأنّهم يرون أنها تهدر وقتهم، كذلك فإن الأجهزة مكلفة.

- هل ترفع أسعار العلاج لدى استخدامك الطريقة المؤنسة لطبّ الأسنان؟

كلا، أبداً. هدفي إنسانيّ قبل الربح الماديّ. فأنا أكره أن يشعر المريض بالألم. لذلك سعيت إلى اكتشاف طريقة مناسبة تساعده على الشعور بالأنس والرضا خلال معالجة أسنانه. فالذهاب إلى طبيب الأسنان يخلق لدى كثيرين نوعاً من فوبيا (رُهاب)، خصوصاً أولئك الذين اختبروا معاناة وألماً في خلال طفولتهم في عيادات الأسنان، فحملوا معهم تلك الذكرى الأليمة طوال حياتهم.
وغالباً ما يتجنّب الناس زيارة طبيب الأسنان، بسبب ما قد يعانونه في عيادته. غير أنّني حوّلت الألم في العلاج، إلى سرور. بالتالي لا يعاني المرضى الذين يقصدونني. إلى ذلك، يقصدني مرضى من الشرق الأوسط والخليج، ويُعتبر الصيف موسم المرضى العرب.

- ما هي أبرز المحطّات في حياتك؟

طفولتي في العراق. هي ذكريات جميلة اكتسبتُ من خلالها القيم العربيّة. كذلك حياتي في بريطانيا، التي أعتبرها مرحلة التحديات والسعي إلى إثبات الذات.

- يبدو أن البلدَين كان لهما أثر كبير في نفسك.

عراق الطفولة، غمرني بالحنان والمبادئ والقيم. أمّا العراق اليوم، ففوضى ومأساة وتعقيد وتكالب على البلد لتمزيقه.
من جهتها، قدّمت بريطانيا العظيمة لي الفرصة للإبداع من دون تفريق أو تمييز. وأكثر من ذلك، شجّعتني على تطوير مهاراتي وتقديم خدمة إنسانيّة للبشريّة من خلال ابتكار اختراع مميّز أنقذ العديد من الأشخاص من الألم.
وأريد التشديد هنا على أن ثمّة أملاً دائماً في علاج الأسنان من دون خوف وألم. وأنصح بوقاية الجيل الصغير من اختبار معاناةٍ لدى طبيب الأسنان. فزيارة واحدة مع ألم وتقييم سلبيّ، من شأنها أن تخلق في داخله رُهاباً طول العمر.
دلالات
المساهمون