من هو الدنماركيّ؟ سؤال إشكاليّ أدّى إلى انقسام في البلاد، ليُظهر نوعاً من التمييز ضدّ السكان من أصول مهاجرة. والأبرز هو دخول الأمم المتحدة على خطّ الجدال القائم وانتقادها "التطرّف"
في غمرة ما يطلق عليه باحثون اجتماعيون في الغرب "زمن التطرّف القومي الشعبوي"، اندلع في الدنمارك نقاش حول الهوية الدنماركية لمن هم من أصول مهاجرة. وكان اليمين الحاكم بزعامة حزب "فينسترا" (ليبرالي) إلى جانب ائتلاف محافظ وليبرالي، قد انساق وبقوة وراء "حزب الشعب الدنماركي" الذي يحمل توجهات قومية متشددة - تعدّ قريبة من "الجبهة الوطنية" في فرنسا ومن "البديل من أجل ألمانيا" - الذي طرح موضوع "دنماركية" هؤلاء الذين حضروا صغاراً أو ولدوا في البلد وكذلك الذين اكتسبوا الجنسية من مهاجرين ولاجئين.
وصل الأمر إلى حدّ التشكيك في هوية برلمانيين من أصول مهاجرة، كالسياسي ناصر خضر، وهو من "المحافظين" ومن أصول فلسطينية وسورية، وطاول كذلك برلمانيين آخرين من أصول تركية في "الاجتماعي الديمقراطي"، من أمثال يلديز أكدوغان.
استناداً إلى مقترح الأحزاب اليمينية، نوقش الأمر قبل أيام في قراءة أولى. اندلع نقاش حاد بناء على ما جاء في "الديباجة" التي أشارت إلى أنّ "البرلمان الدنماركي يلاحظ وبقلق بأنّ ثمّة مناطق في البلاد يعيش فيها أكثر من 50 في المائة من مواطنين من أصل غير غربي (المقصود هنا العرب والمسلمون). وبالنسبة إلى البرلمان، فإنّ تحوّل الدنماركيين إلى أقلية في مناطق سكنية، أمر غير مقبول في شركات الإسكان". يبدو بالتالي، أنّ ما أثار معسكر الرافضين لهذه التقسيمات هو ذهاب اليمين نحو القول إنّ مواطنين يحملون جنسية البلاد، ومنهم من ولد فيها، غير دنماركيين بطريقة أو بأخرى.
"دانسكا"
الجدال الدنماركي الداخلي حول الهويّة، أي من يُعدّ دنماركياً ومن لا يُعدّ كذلك، دفع ببعض سياسيي اليسار ويسار الوسط إلى موجة من غضب على مقترحات ما زال النقاش حولها يتفاعل. وما يثيره هذا النقاش هو تعبير "دانسكا" (دنماركيّ) وإطلاقه على أبناء المهاجرين من أمثال ناصر خضر ويلديز أكدوغان، وعشرات آلاف الشباب الذين يحتدّ الجدال حول دنماركيتهم منذ العام الماضي. ويستغرب خالد، من أصول فلسطينية لبنانية، "النقاش العقيم الذي يحمل فكراً تمييزياً، حتى لا أقول عنصرياً يمينياً متطرفاً. أنا مثلاً، شاب في العشرينات ولدت هنا ولا أعرف بلداً كوطن لي بثقافته ولغته وتاريخه سوى الدنمارك. كيف يريد هؤلاء نزع دنماركيتي عنّي؟".
في هذا الإطار، تؤكّد بيرغيتا سورنسن، وهي ناشطة في صفوف اليسار، لـ"العربي الجديد"، على أنّ "الشباب من أصول عربية ليسوا وحدهم الذين يشعرون بغضب إزاء نقاشات أحزاب اليمين ويمين الوسط التي تتجه أكثر نحو التعصب القومي". من جهته، يرفض مسؤول حزب "راديكال" (يسار وسط)، مورتن أوسترغوورد، هذا المقترح والنقاشات المندلعة، سائلاً: "كيف تفكرون؟ وهنا أوجّه سؤالي إلى الأحزاب المحافظة والحاكم فينسترا الليبرالي وحزب الشعب الدنماركي وتحالف الليبراليين (الأحزاب المشكلة لحكومة اليمين): هل تظنون حقاً أنّه في إمكانكم عدم احتساب من هم من بذرة مهاجرة كدنماركيين؟".
الأمم المتحدة تنتقد
لم يبقَ الجدال محصوراً داخل حدود المملكة، إذ إنّ المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد في الأمم المتحدة، هاينر بيليفيلت، قدّم تقريراً تضمّن نقداً لاذعاً لذلك الجدال القائم حول "دنماركية الناس". وبيليفيلت خبير مستقل عيّنته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، تقضي مهمّة بتحديد العقبات التي يواجهها الناس في ممارسة حرية الدين أو المعتقد، وثمّ إصدار توصيات بهدف حلّ هذه المشاكل.
اقــرأ أيضاً
في تقريره، رأى بيليفيلت أنّ النقاش حول "دنماركية الناس" هو "نقاش يأخذ طابعاً دينياً وسياسياً. والحكومة الدنماركية مطالبة بتقديم أدلّة تفيد بأنّ المسلمين في البلاد لا يهدّدون الهوية الدنماركية". لكنّ وزيرة الكنائس الدنماركية، ميتا بوك، أجابت: "لسنا قادرين على تقديم مثل تلك الأدلة للأقليات الدينية، حتى تشعر أكثر بأنّها في بلدها".
بالنسبة إلى مقرر الأمم المتحدة، فإنّ "جعل الأقليات الدينية جزءاً أصيلاً من المجتمع ليس بالمستحيل". أضاف في تقريره أنّ "المجتمع الدنماركي أصبح، كأمر واقع، متعدد الديانات"، لكنّه يلفت إلى أنّ "هؤلاء المسلمين الذين نشأوا في الدنمارك تُطلب منهم في بعض الأحيان مسائل غريبة واشتراطات أغرب لما يسمّى اندماج أفضل في بلد النشأة، في مجتمعهم". وتابع أنّ "النقاش العام حول الهوية الدنماركية، إذا لم يأخذ بعين الاعتبار اختلال التوازن في حرية المعتقد والتنوّع الديني، فإنّ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى مزيد من التغريب عند هؤلاء المسلمين، ويجعل مسألة الهوية الدنماركية موضع شكّ في المقصود من هذا الجدال في صفوفهم".
ويوصي بيليفيلت بأن تجرّب الحكومة الدنماركية "المبادرة لإيجاد فهم شامل لمعنى الهوية الدنماركية، وكذلك إرسال إشارات واضحة ومشجّعة لا لبس فيها إلى الجميع تفيدهم بأنّهم في بلدهم. وهو حق ينبغي أن يشعر به الإنسان. هذا الأمر ينبغي أن يحصل وسريعاً جداً ويقدّم أجوبة حول تنامي الفكرة والانطباع السائدين القائلين بأنّ الإسلام يشكّل تهديداً للهوية الدنماركية".
تجدر الإشارة إلى أنّ العلاقة بين مبعوثي الأمم المتحدة إلى كوبنهاغن ومسائل التمييز ليست حديثة. ففي مارس/ آذار من العام الماضي، خرجت لجنة تقصي حقائق شارك فيها المقرر الألماني نفسه (هاينر بيليفيلت) بتقرير يشير إلى أنّ "المسلمين في الدنمارك يشعرون بقلق أساسي بسبب الانطباع السلبي عن الإسلام واعتبارهم كمسلمين متخلّفين ومتطرّفين وتمييزيين ومضطهدين في ما يتعلق بحقوق المرأة". بالتأكيد لا ينفي بيليفيلت تطرّف البعض، إلا أنّه يرى "مدهشاً تنامي الصدام والتعميم ضدّ الأقلية المسلمة في البلد".
اقــرأ أيضاً
بين معارضة وتأييد
لا تتوقف معارضة ما جاء في تقرير الأمم المتحدة عند الطبقة السياسية. يقول أستاذ التاريخ والمجتمع في جامعة آرهوس (وسط البلاد)، ميكائيل بوس، إنّ "الدستور يكفل حرية الدين والتعبّد وهو ليس محل نزاع"، رافضاً ما خلص إليه التقرير الأممي المترافق مع نقاش الهوية في البلد. ويوضح أنّ "المجتمع الدنماركي مبنيّ على قيم مستمدة من الإرث الثقافي المسيحي. بالفعل، أرى أنّه لا ينبغي استبعاد أشخاص من نقاش الهوية الدنماركية ولو كانت لديهم خلفيات دينية أخرى. لكن، لا بدّ من التذكير بأنّه ليس هناك مستوى محدد لماهية الهوية الدنماركية في المجال العام والرسمي".
من جهتها، تقرّ وزيرة الكنائس ميتا بوك بأنّ "ثمّة حرية دينية في الدستور، لكن لا مساواة دينية في الدستور نفسه"، وترى حاجة إلى تشريعات "تصب في مصلحة الأقليات الدينية". أمّا "رئيس لجنة الكنائس" في البرلمان عن "الشعب" اليميني، كريستيان لانغبالى، فيرفض انتقادات الأمم المتحدة وإشارة تقريرها إلى أنّ "الدنمارك متعدد الأديان"، قائلا: "هذه بروباغندا لفرض تعريف مجتمع متعدد الثقافات، وبلدنا ليس كذلك". يضيف في انتقاداته أنّ "الدستور الدنماركي واضح وثابت في المسألة، إذ ينصّ على أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي كنيسة الشعب وهي كنيسة مدعومة رسمياً من الدولة".
إلى هؤلاء، تقول مقررة شؤون الكنائس ووزيرة الثقافة السابقة من حزب "راديكال"، ماريانا ييلفيد: "أنا متفقة مع جاء في تقرير الأمم المتحدة. من الجيّد أن يأتي أحدهم من الخارج وبخلفيات أخرى ويخبرنا ما يراه في بلدنا. قد يساعد ذلك في فتح عيوننا على أشياء لم نكن نراها أو اعتدنا عليها فحسب". وتشير إلى أنّ "المسلمين لا يستطيعون بين ليلة وضحاها أن يصبحوا بهويّة دنماركية، لكنّهم جزء من مجتمع متنوّع كما هي الدنمارك اليوم. لذا، فإنّ الأمر يتعلق باحترام اختلاف الناس. وعادة ما نقول عن بلادنا إنّها أرض الانفتاح الفكري".
في السياق، يرى حزب اللائحة الموحدة اليساري من خلال مقرر الشؤون الكنسية في البرلمان برونو ييروب، أنّ وراء كل هذا الجدال يقف حزب الشعب الدنماركي، منذ العام الماضي، حين قال مقرّر شؤون الدمج المتشدد مارتن هينركسن للشاب فيليب يازديني على الهواء مباشرة إنّه "ليس كل من ولد في الدنمارك هو دنماركي". يضيف ييروب أنّ "المشكلة الأساسية هي في أنّ حزب الشعب والحكومة يعمدان إلى استبعاد ليس فقط المسلمين، بل كل من جاء إلى الدنمارك واستقر فيها".
تجدر الإشارة إلى أنّ اليمين المتشدد في الدنمارك يسعى إلى تضخيم أرقام المسلمين في البلاد. وبينما يسود الاعتقاد بأنّ هؤلاء يمثّلون 10 في المائة من المجتمع الدنماركي، تبيّن أرقام مركز الإحصاء الوطني الدنماركي أنّ 263 ألف مسلم فقط يعيشون في الدنمارك، ويحملون الجنسية الدنماركية بمعظمهم، وهم لا يمثّلون أكثر من 4.7 في المائة من بين 5.5 ملايين نسمة في البلاد.
اقــرأ أيضاً
في غمرة ما يطلق عليه باحثون اجتماعيون في الغرب "زمن التطرّف القومي الشعبوي"، اندلع في الدنمارك نقاش حول الهوية الدنماركية لمن هم من أصول مهاجرة. وكان اليمين الحاكم بزعامة حزب "فينسترا" (ليبرالي) إلى جانب ائتلاف محافظ وليبرالي، قد انساق وبقوة وراء "حزب الشعب الدنماركي" الذي يحمل توجهات قومية متشددة - تعدّ قريبة من "الجبهة الوطنية" في فرنسا ومن "البديل من أجل ألمانيا" - الذي طرح موضوع "دنماركية" هؤلاء الذين حضروا صغاراً أو ولدوا في البلد وكذلك الذين اكتسبوا الجنسية من مهاجرين ولاجئين.
وصل الأمر إلى حدّ التشكيك في هوية برلمانيين من أصول مهاجرة، كالسياسي ناصر خضر، وهو من "المحافظين" ومن أصول فلسطينية وسورية، وطاول كذلك برلمانيين آخرين من أصول تركية في "الاجتماعي الديمقراطي"، من أمثال يلديز أكدوغان.
استناداً إلى مقترح الأحزاب اليمينية، نوقش الأمر قبل أيام في قراءة أولى. اندلع نقاش حاد بناء على ما جاء في "الديباجة" التي أشارت إلى أنّ "البرلمان الدنماركي يلاحظ وبقلق بأنّ ثمّة مناطق في البلاد يعيش فيها أكثر من 50 في المائة من مواطنين من أصل غير غربي (المقصود هنا العرب والمسلمون). وبالنسبة إلى البرلمان، فإنّ تحوّل الدنماركيين إلى أقلية في مناطق سكنية، أمر غير مقبول في شركات الإسكان". يبدو بالتالي، أنّ ما أثار معسكر الرافضين لهذه التقسيمات هو ذهاب اليمين نحو القول إنّ مواطنين يحملون جنسية البلاد، ومنهم من ولد فيها، غير دنماركيين بطريقة أو بأخرى.
"دانسكا"
الجدال الدنماركي الداخلي حول الهويّة، أي من يُعدّ دنماركياً ومن لا يُعدّ كذلك، دفع ببعض سياسيي اليسار ويسار الوسط إلى موجة من غضب على مقترحات ما زال النقاش حولها يتفاعل. وما يثيره هذا النقاش هو تعبير "دانسكا" (دنماركيّ) وإطلاقه على أبناء المهاجرين من أمثال ناصر خضر ويلديز أكدوغان، وعشرات آلاف الشباب الذين يحتدّ الجدال حول دنماركيتهم منذ العام الماضي. ويستغرب خالد، من أصول فلسطينية لبنانية، "النقاش العقيم الذي يحمل فكراً تمييزياً، حتى لا أقول عنصرياً يمينياً متطرفاً. أنا مثلاً، شاب في العشرينات ولدت هنا ولا أعرف بلداً كوطن لي بثقافته ولغته وتاريخه سوى الدنمارك. كيف يريد هؤلاء نزع دنماركيتي عنّي؟".
في هذا الإطار، تؤكّد بيرغيتا سورنسن، وهي ناشطة في صفوف اليسار، لـ"العربي الجديد"، على أنّ "الشباب من أصول عربية ليسوا وحدهم الذين يشعرون بغضب إزاء نقاشات أحزاب اليمين ويمين الوسط التي تتجه أكثر نحو التعصب القومي". من جهته، يرفض مسؤول حزب "راديكال" (يسار وسط)، مورتن أوسترغوورد، هذا المقترح والنقاشات المندلعة، سائلاً: "كيف تفكرون؟ وهنا أوجّه سؤالي إلى الأحزاب المحافظة والحاكم فينسترا الليبرالي وحزب الشعب الدنماركي وتحالف الليبراليين (الأحزاب المشكلة لحكومة اليمين): هل تظنون حقاً أنّه في إمكانكم عدم احتساب من هم من بذرة مهاجرة كدنماركيين؟".
الأمم المتحدة تنتقد
لم يبقَ الجدال محصوراً داخل حدود المملكة، إذ إنّ المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد في الأمم المتحدة، هاينر بيليفيلت، قدّم تقريراً تضمّن نقداً لاذعاً لذلك الجدال القائم حول "دنماركية الناس". وبيليفيلت خبير مستقل عيّنته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، تقضي مهمّة بتحديد العقبات التي يواجهها الناس في ممارسة حرية الدين أو المعتقد، وثمّ إصدار توصيات بهدف حلّ هذه المشاكل.
في تقريره، رأى بيليفيلت أنّ النقاش حول "دنماركية الناس" هو "نقاش يأخذ طابعاً دينياً وسياسياً. والحكومة الدنماركية مطالبة بتقديم أدلّة تفيد بأنّ المسلمين في البلاد لا يهدّدون الهوية الدنماركية". لكنّ وزيرة الكنائس الدنماركية، ميتا بوك، أجابت: "لسنا قادرين على تقديم مثل تلك الأدلة للأقليات الدينية، حتى تشعر أكثر بأنّها في بلدها".
بالنسبة إلى مقرر الأمم المتحدة، فإنّ "جعل الأقليات الدينية جزءاً أصيلاً من المجتمع ليس بالمستحيل". أضاف في تقريره أنّ "المجتمع الدنماركي أصبح، كأمر واقع، متعدد الديانات"، لكنّه يلفت إلى أنّ "هؤلاء المسلمين الذين نشأوا في الدنمارك تُطلب منهم في بعض الأحيان مسائل غريبة واشتراطات أغرب لما يسمّى اندماج أفضل في بلد النشأة، في مجتمعهم". وتابع أنّ "النقاش العام حول الهوية الدنماركية، إذا لم يأخذ بعين الاعتبار اختلال التوازن في حرية المعتقد والتنوّع الديني، فإنّ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى مزيد من التغريب عند هؤلاء المسلمين، ويجعل مسألة الهوية الدنماركية موضع شكّ في المقصود من هذا الجدال في صفوفهم".
ويوصي بيليفيلت بأن تجرّب الحكومة الدنماركية "المبادرة لإيجاد فهم شامل لمعنى الهوية الدنماركية، وكذلك إرسال إشارات واضحة ومشجّعة لا لبس فيها إلى الجميع تفيدهم بأنّهم في بلدهم. وهو حق ينبغي أن يشعر به الإنسان. هذا الأمر ينبغي أن يحصل وسريعاً جداً ويقدّم أجوبة حول تنامي الفكرة والانطباع السائدين القائلين بأنّ الإسلام يشكّل تهديداً للهوية الدنماركية".
تجدر الإشارة إلى أنّ العلاقة بين مبعوثي الأمم المتحدة إلى كوبنهاغن ومسائل التمييز ليست حديثة. ففي مارس/ آذار من العام الماضي، خرجت لجنة تقصي حقائق شارك فيها المقرر الألماني نفسه (هاينر بيليفيلت) بتقرير يشير إلى أنّ "المسلمين في الدنمارك يشعرون بقلق أساسي بسبب الانطباع السلبي عن الإسلام واعتبارهم كمسلمين متخلّفين ومتطرّفين وتمييزيين ومضطهدين في ما يتعلق بحقوق المرأة". بالتأكيد لا ينفي بيليفيلت تطرّف البعض، إلا أنّه يرى "مدهشاً تنامي الصدام والتعميم ضدّ الأقلية المسلمة في البلد".
بين معارضة وتأييد
لا تتوقف معارضة ما جاء في تقرير الأمم المتحدة عند الطبقة السياسية. يقول أستاذ التاريخ والمجتمع في جامعة آرهوس (وسط البلاد)، ميكائيل بوس، إنّ "الدستور يكفل حرية الدين والتعبّد وهو ليس محل نزاع"، رافضاً ما خلص إليه التقرير الأممي المترافق مع نقاش الهوية في البلد. ويوضح أنّ "المجتمع الدنماركي مبنيّ على قيم مستمدة من الإرث الثقافي المسيحي. بالفعل، أرى أنّه لا ينبغي استبعاد أشخاص من نقاش الهوية الدنماركية ولو كانت لديهم خلفيات دينية أخرى. لكن، لا بدّ من التذكير بأنّه ليس هناك مستوى محدد لماهية الهوية الدنماركية في المجال العام والرسمي".
من جهتها، تقرّ وزيرة الكنائس ميتا بوك بأنّ "ثمّة حرية دينية في الدستور، لكن لا مساواة دينية في الدستور نفسه"، وترى حاجة إلى تشريعات "تصب في مصلحة الأقليات الدينية". أمّا "رئيس لجنة الكنائس" في البرلمان عن "الشعب" اليميني، كريستيان لانغبالى، فيرفض انتقادات الأمم المتحدة وإشارة تقريرها إلى أنّ "الدنمارك متعدد الأديان"، قائلا: "هذه بروباغندا لفرض تعريف مجتمع متعدد الثقافات، وبلدنا ليس كذلك". يضيف في انتقاداته أنّ "الدستور الدنماركي واضح وثابت في المسألة، إذ ينصّ على أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي كنيسة الشعب وهي كنيسة مدعومة رسمياً من الدولة".
إلى هؤلاء، تقول مقررة شؤون الكنائس ووزيرة الثقافة السابقة من حزب "راديكال"، ماريانا ييلفيد: "أنا متفقة مع جاء في تقرير الأمم المتحدة. من الجيّد أن يأتي أحدهم من الخارج وبخلفيات أخرى ويخبرنا ما يراه في بلدنا. قد يساعد ذلك في فتح عيوننا على أشياء لم نكن نراها أو اعتدنا عليها فحسب". وتشير إلى أنّ "المسلمين لا يستطيعون بين ليلة وضحاها أن يصبحوا بهويّة دنماركية، لكنّهم جزء من مجتمع متنوّع كما هي الدنمارك اليوم. لذا، فإنّ الأمر يتعلق باحترام اختلاف الناس. وعادة ما نقول عن بلادنا إنّها أرض الانفتاح الفكري".
في السياق، يرى حزب اللائحة الموحدة اليساري من خلال مقرر الشؤون الكنسية في البرلمان برونو ييروب، أنّ وراء كل هذا الجدال يقف حزب الشعب الدنماركي، منذ العام الماضي، حين قال مقرّر شؤون الدمج المتشدد مارتن هينركسن للشاب فيليب يازديني على الهواء مباشرة إنّه "ليس كل من ولد في الدنمارك هو دنماركي". يضيف ييروب أنّ "المشكلة الأساسية هي في أنّ حزب الشعب والحكومة يعمدان إلى استبعاد ليس فقط المسلمين، بل كل من جاء إلى الدنمارك واستقر فيها".
تجدر الإشارة إلى أنّ اليمين المتشدد في الدنمارك يسعى إلى تضخيم أرقام المسلمين في البلاد. وبينما يسود الاعتقاد بأنّ هؤلاء يمثّلون 10 في المائة من المجتمع الدنماركي، تبيّن أرقام مركز الإحصاء الوطني الدنماركي أنّ 263 ألف مسلم فقط يعيشون في الدنمارك، ويحملون الجنسية الدنماركية بمعظمهم، وهم لا يمثّلون أكثر من 4.7 في المائة من بين 5.5 ملايين نسمة في البلاد.